نحصل، نحن قراء الدكتور عبد المنعم سعيد، على جائزة مستمرة، عندما نقرأه، اسمها المعرفة الكاملة والشيقة معا..فهو كاتب ذو طبيعة، لا أقول خاصة، بل نادرة..بحكم طبيعة تخصصه، وتمكنه من المهنة..فهو يملك ناصية الكتابة بمهارة..ومكنه علمه الأكاديمى، وخبراته المتنوعة، أن يعلّم، ويعبر عمّا يعرفه، والأهم أنه يحترم الكتابة والقارئ معا.. هذا المزيج النادر، إذا كان مصحوبا بنفسية عالية، تسبر غور الأشياء، وثقة فى النفس، فستعطى عصارة فكرية، قلما نجدها فى ساحة الكتابة والتعبير بالرأى عن القضايا المعقدة، السياسية والفكرية عموما، أو فى الأزمات المختلفة..هذا عن د. عبد المنعم سعيد الكاتب.. الغنى فى فكره، والكريم فى عطائه، لا يبخل فى تقديمه وجبة معلوماتية، قد تكون معقدة، فيقدمها سهلة، يهضمها المتخصصون والعامة، فى معادلة نادرة.. فعندما نقول الدكتور، فى مهنة الصحافة والإعلام، ينصرف ذهننا مباشرة إلى عبد المنعم سعيد، وكأنه هو وحده الدكتور، رغم أن كلمة الأستاذ هى الشائعة أكثر فى عالمنا، وحصل عليها كثيرون فى مهنة الصحافة والكتابة، ورغم أن الدكاترة كثر فى مهنتنا، فإن د.عبد المنعم سعيد ظل هو الأول عند ذكر اللقب دون الاسم.. إن عالم السياسة الذى يكتبه للعامة، هو وجبة من الدسم الكامل، لكى نهضمه جميعا، حسب ثقافتنا، فتبادر فى الإعلان عن نفسها، سواء فى حضوره أو فى غيابه.. محور تلك المعادلة أنه السهل الممتنع الذى يقدم تحليل كتاباته متكاملة، جغرافيا وتاريخيا، ثم علميا، بكرم وأريحية متزايدة، بل بتواضع جم، هو مزيج صعب أن يجتمع، وفى نفس الوقت لا يبحث صاحبها عن الإثارة، ولا يسعى لنجومية يستحقها، ولكنها ليست هدفه، فإذا كان هدفه هو الوطنية المصرية، ثم هموم منطقتنا العربية، كيف تنتصر، وتخرج من أزماتها، وتلاحق عصرها، فهو بحق الدكتور العالم النزيه الذى أثرى مهنة الصحافة والكتابة عموما.. فعندما جاءت الأخبار قادمة من دبى بأنه حصل على جائزة مقال الرأى شعرت بأن الجائزة ذهبت إلى مكانها، وإلى من يستحقها، وأنا أعرف قيمة هذه الجائزة، فقد كنت عضوا فى مجلس إدارتها لسنوات عدة، وأعرف أن اللجان المتخصصة، عندما ترشح المستحق، فإن جائزتى (الرأى وشخصية العام) يعرضان على أرفع الشخصيات هناك، فيكون من ضمن المصوتين، (خاصة الشيخ محمد بن راشد، صاحب فكرة الجائزة)، فبادرت لكى أهنئه، فقد قدمت الجائزة إلى أكثر العقول نشاطا وابتكارا فى مهنتنا بلا توقف، وفى كل الظروف العصيبة، حتى فى الأزمات الصحية أو الاضطرابات السياسية الكبرى التى صاحبت سنوات الثورات والانتفاضات 2011(وحتى الآن)، ظل قلمه وفكره معطاء بسخاء، يحلل الظواهر، ويُكسب قارئه الوعى المستحق، ليلعب دوره. ولكن تظل لديّ شهادة فى د. عبد المنعم سعيد، يجب أن أقولها، وهى عن الفترة التى عملنا فيها معا متجاورين، فقد عملنا فى (الأهرام) منذ سنوات السبعينيات وحتى الآن، وكانت هناك فترة خاصة جدا، وهى فترته (كرئيس مجلس الإدارة)، وكنت أعمل معه (رئيسا للتحرير)، وهما منصبان استحدثا فى أوائل 2005، فقد كنت أعمل مع شخصية فى غاية التكامل والتوازن الدقيق والنفسية الرفيعة، عالية المكانة، وكانت فترة مثالية بالنسبة لى، انصبت جهودنا فيها لرفع شأن الأهرام والمؤسسة.. وكان د. سعيد يملك رؤية للأهرام فى عالم من إعلام مختلف، فهو لم يكتف برؤيته، بل وضعها موضع التنفيذ، وسار فيها، وحقق أشياء كثيرة فى عمر زمنى القصير( 18 شهرا فى هذا الموقع الدقيق)، وبخطط متكاملة.. لم أختلف معه إطلاقا، لأن الحوار والعقلانية كانا مناهجنا فى العمل، وخرجنا من السنوات الصعبة والأهرام فى المقدمة، إيرادا، وتوزيعا، وكان الطموح هو الانتقال، كما كان يبشر، إلى مؤسسة رقمية متكاملة، وكان الهدف هو أن تعمل فى كل القضايا الإعلامية والصحفية، وكان قادرا، واكتشفت فيه الموهبة الإدارية التى كانت تحفز العاملين فى كل الإدارات على تقديم أفضل ما لديهم، وما يملكون، ولا يبخلون فى عملهم. كانت تجربة قصيرة فى عمر الزمن، لكنها كانت غنية ومثمرة فى الواقع، وستكون كذلك عبر الزمن، وللدكتور أن يفخر بما قدمه، ويعتز بدوره فى عالم الصحافة، وفى مهنة الإعلام بصفة عامة، فقد جعل وحول مركز الأهرام للدراسات إلى مكون أساسى للأهرام والإعلام، وكمادة رئيسية، لا تستغنى عنها الصحف والإعلام المعاصر، ولا يستطيع أن تستغنى عنها أى مؤسسة صحفية أو إعلامية تبحث عن الجودة، أو عن إرضاء وكسب قارئها أو مستمعها، بعد أن كانت مكملا مهنيا، ليس فى صلب العمل الصحفى والإعلامى، أو للوجاهة كوجبة إضافية فقط، لكنها أصبحت مع د. سعيد وجبة أساسية، لا غنى لأى مؤسسة أو وسيلة إعلامية عن مادتها فى كل الأقسام الصحفية، أو فى عالمنا المعاصر، إذا أرادت احترام قارئها أو مستمعها.. وهو دور فريد ومميز لم يسبقه إليه أحد، وأصبح بعد ذلك (موضة) تلجأ إليها كل المؤسسات الإعلامية فى منطقتنا.. ولم يصلوا إليه، وظل مركزه هو القدوة والنموذج. وهذا دور العالم السياسى عندما ينضم إلى مهنة الصحافة، ويصبح مهنيا أو صحفيا من طراز رفيع متخصص، فكان إضافة لمهنة الصحافة، فنشعر بالاعتزاز بها بل إن تخصصه الرفيع أصبح قدوة للآخرين لكى يحذو حذوه، وبذلك فتح باب التغيير للإعلاميين والصحفيين عموما، لكى يتخصصوا، ويكونوا قادرين مثله على العمل فى كل الأجواء، وفى مختلف الظروف. هذه كانت خواطر، تجمعت فى ذهنى لتهنئة د. عبد المنعم سعيد بالجائزة.. كتبتها دون تجهيز، ولكن للتعبير فقط، أنى شعرت بأن جائزته جائزة لنا جميعا.. متعه الله بالصحة والمزيد من العطاء والعمل. لمزيد من مقالات أسامة سرايا