يمكن القول إنها المرة الأولى التى يصدح فيها الصوت العربى عاليا وموحدا ليعلن للعالم كله رفضه التدخلات فى شئونه، وإن حل أزماته لن يكون إلا عربيا، وفى هذا دليل على أن الأمة العربية أدركت أخيرا أن أحدا فى هذا العالم لا يمكن أن يصلح أحوالها أو يتمنى لشعوبها الخير أكثر من نفسها. إن التدخلات التى تحدث من بعض الدول والكيانات الدولية السياسية والحقوقية لايعنيها أمر الأمة وإنما تسعى لمصالحها هى ولو كانت على حساب الدول والشعوب العربية واستقرارها، ومن هنا يمكن القول إن القمة العربية التى احتضنتها تونس الأسبوع الماضى سجلت هدفا غاليا، اذ يكفى أنه وضع النقاط فوق الحروف وأرسل رسالة طمأنينة الى الشعوب العربية أولا وللعالم كله ثانيا أن القادة العرب يدركون أن مصالح أمتهم رهن بوحدتهم، وأن المثل العربى القائل: ماحاك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك، ينطبق بكل دلالاته على الوضع العربى الراهن، ما يتطلب إلقاء الخلافات وراء الظهر والنظر للمستقبل الذى يهم الأمة كلها، ويمكن القول إن القمة حققت أهدافا عدة قبل انطلاقتها تمثل أهمها فى حضور عدد كبير من القادة العرب ذوى التأثير الكبير، وكان حضور الرئيس السيسى أكبر الأهداف بعدما تردد فى وسائل الإعلام عن ترأس وزير الخارجية سامح شكرى وفد مصر فى القمة، لكن الرئيس السيسى حضر وألقى كلمة قوية العبارات واضحة الدلالات، تعكس قدر مصر ومكانتها بين شقيقاتها، ومسئوليتها التاريخية إزاء قضايا أمتها العربية، وبدا واضحا من الجلسة الافتتاحية التى شهدت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس التونسى القائد السبسى، ومن بعدهما كلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية. إن كلمات القمة لن تكون إنشائية وانما صاحبة قرارات يمكن تنفيذها على أرض الواقع، لترضى الشعوب العربية وتحقق طموحاتهم، فالقمة تأتى ولا شىء تغير فى عالمنا العربى عما كانت القمم الثمانى الأخيرة منذ عام 2011، الذى شهد أحداثا جساما فى عدد من الدول العربية، وبالتالى فالأقوال دون أفعال لن يكون لها أثر فى الشارع العربى، خصوصا وأن القمة الثلاثين تأتى بعد قرار جديد من الرئيس الأمريكى ترامب يعترف فيه بسيادة إسرائيل على أرض الجولان العربية السورية المحتلة منذ العام 67، ما مثل تحديا للأمة، وكان الكل ينتظر ما سيصدر عن القمة فى هذا الشأن تحديدا وفى التدخلات التركية والإيرانية فى بعض البلاد العربية، ومن هنا أستقبل المواطن العربى كلمة أبو الغيط التى كانت قوية ومحددة وواضحة وضع فيها النقاط فوق الحروف ليعرف القاصى والدانى أن الأمة العربية لن تقبل التدخلات التركية والإيرانية فى شئون بلادها، ثم توقف الجميع أمام كلمة الرئيس السيسى والتى كانت جامعة تطرقت للوضع العربى دون أن تغفل منه شيئا وتوقفت أمام جميع الأزمات، وبعد أن وصف الحال العربى الراهن والمشكلات الموروثة منذ تأسيس الجامعة العربية مثل القضية الفلسطينية وما تلاها من أزمات فى السنوات الثمانى الأخيرة، شدد السيسى على أن تلك التراكمات والتحديات الجديدة، تضع على عاتق القادة العرب فى هذه المرحلة الفارقة من تاريخ أمتنا مسئولية عظيمة، مشيرا الى أن ما سيتخذه القادة من قرارات سيكون له أثر حاسم، ليس على حاضرنا، وإنما على المستقبل، مذكرا الجميع: أن الأجيال والتاريخ سيحاسبوننا على القرارات التى سنتخذها، وتوقف السيسى فى كلمته، التى تضمنت مايشبه بيان الحالة، عند القضايا الجديدة التى فرضت نفسها على الواقع العربى من إرهاب غاشم، وفتن طائفية وتفكك لوحدة دول وفق أطر مذهبية تنذر بعواقب وخيمة إن لم يتم مواجهتها الآن، وتساءل فى ختام كلمته: ألم يئن الأوان لوقف هذا النزيف المستمر للدم العربى؟ ألم يحن الوقت لتسوية عربية لتلك الأزمات تحقن الدماء وتحفظ دولنا، وتوقف الإهدار المستمر لمقدرات شعوبنا وثرواتها، وأجاب على تساؤلاته بأن المطلوب هو الإرادة إرادة السلام والتسوية لدى الفرقاء السوريين، وموقف عربى حاضن لهذه التسوية وداعم لها، وضاغط فى اتجاه تحقيقها، ورافض بشكل قاطع لكل التدخلات من أى قوى إقليمية غير عربية، تحاول استغلال محنة الشعب السورى الشقيق. وعبر الرئيس عن ثقته فى اتفاق قادة الأمة حول حل المشكلات العربية، مؤكدا أن عناصر الحل متاحة لكنها تنتظر الإرادة السياسية التى تعلن انطلاق قطار التسويات، وأكد السيسى وخادم الحرمين الشريفين وجميع القادة العرب رفض قرار ترامب بشأن الجولان جملة وتفصيلا، وهو ما أكده إعلان تونس الذى حدد المطالب العربية وأهمها حماية الفلسطينيين وحل قضيتهم حلا عادلا وفق مبادرة السلام العربية، ورفض شرعنة الاحتلال فى الجولان، ودعم حوار الأديان، ومطالبة إيران وتركيا باحترام سيادة دول العربية، وهانحن ننتظر وصول قطار التسويات ليطوى صفحة الأحزان التى خيمت على واقعنا العربى. لمزيد من مقالات أشرف محمود