فى الوقت الذى تتخذ فيه كل دول العالم إجراءات لمحاربة انتشار الأفكار المتطرفة على الإنترنت، بما فيها دعاوى الفوضى والتخريب، تتعامل وسائل إعلام عالمية مع مصر، التى تحارب إرهابا حقيقيا وتقاتل من أجل استقرارها وبقائها، على أنه لا يحق لها حماية أمنها واستقرارها.ومن بين الأمثلة على هذه المعاملة المنفردة، ما بثته وكالة أسوشيتدبرس للأنباء بتاريخ 19 مارس 2019 تحت عنوان «مصر تشدد الإجراءات المفروضة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي». فقد ذكر هذا التقرير الذى استخدم لهجة عنيفة متعالية، لا تستخدم إلا مع ما يتعلق بالشأن المصري، أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مصر فرض قيودا وصفها التقرير ب«المتشددة»، التى من شأنها أن تسمح للدولة بحجب المواقع الإلكترونية، وحتى حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى يزيد عدد متابعيها على خمسة آلاف متابع فى حالة اعتبارها خطرا أو تهديدا على الأمن القومي، وكأن هذه الإجراءات والقيود لا توجد إلا فى مصر وحدها. وزعمت الوكالة أن هذا الإجراء «أحدث خطوة تتخذها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسى لقمع المعارضة»، وأضافت أنه خلال الأعوام القليلة الماضية، فرضت مصر إجراءات مشددة غير مسبوقة على المراسلين ووسائل الإعلام، وسجنت عشرات الصحفيين الأجانب، وطردت بعضهم أحيانا، دون أن تذكر الوكالة أسماء هؤلاء «العشرات» من الصحفيين الأجانب، ودون أن تتحدث بصراحة عن مبررات منع دخول صحفى من عينة ديفيد كيركباتريك صحفى النيويورك تايمز! كما زعمت الوكالة أيضا أن «كبار الصحفيين فى مصر» يصفون هذه الإجراءات بأنها «غير دستورية، لأنها تمنح صلاحيات بعيدة الأثر للسلطات لمراقبة وسائل الإعلام، فيما يعد انتهاكا للحريات الصحفية الأساسية، ولكن الوكالة أيضا لم تنقل تصريحات منسوبة لأى من «كبار الصحفيين» هؤلاء سوى لاثنين من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين قال أحدهما فى تصريحاته إن الحكومة تهدد الصحفيين الآن بحجة انتهاكات الأمن القومى التى يتم تعريفها على نحو ملتبس، ومعايير سياسية أو اجتماعية أو دينية غامضة التعريف، بحسب تعبيره، بينما قال الآخر إن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تجاهل الملاحظات التى تقدمت بها النقابة بشأن الإجراءات الجديدة. وكذبت الوكالة نفسها عندما سردت جزءا من الوثيقة المكونة من تسع صفحات وتشمل قائمة عريضة من الموضوعات المحظورة التى لا يختلف عليها اثنان فى مصر، بما فى ذلك «أى شيء يحرض على مخالفة القانون أو الآداب العامة أو يدعو للعنصرية أو التعصب أو العنف أو التمييز بين المواطنين أو الكراهية». وفى ختام تقريرها، تطوعت الوكالة بسرد «الكليشيه» التقليدى الذى تريد ترسيخه فى أذهان الجمهور والرأى العام العالمي، حيث قررت وجزمت بأن مصر «لا تزال من ضمن أسوأ الجلادين للصحفيين على مستوى العالم، بعد الصين وتركيا، وفقا للجنة حماية الصحفيين». وبالتأكيد، نسيت الوكالة فى خضم تقريرها أن تعرض أى شيء عن وجهة النظر الأخرى المؤيدة لضرورة سن قوانين واتخاذ إجراءات لا تعتدى على الحريات، وإنما تقلل من حالة الفوضى التى سادت وسائل الإعلام المصرية منذ عام 2011 وتسببت فى إلحاق خسائر فادحة باقتصاد مصر وأمنها القومي، إضافة إلى أخلاقيات المجتمع التى تختلف بكل تأكيد عن أخلاقيات المجتمعات الغربية، علما بأن الوكالة كان يمكنها سرد تفاصيل أكثر من مخزية عن قوانين وإجراءات اتخذتها دول أوروبية مثلا للحد من المد الإسلامى والتأثير الخارجى على ثقافة المجتمعات الغربية، ولم يقل أحد وقتها إن هذه الدول تقمع الحريات وتجلد الصحفيين، والأمثلة على ذلك كثيرة. ولكنها لغة التعالى والأبراج العاجية، وفرض القيم والمفاهيم على الآخرين!