لم يكن عبد الرحمن صلاح مغاليا حينما اختار لكتابه هذا العنوان المثير والجذاب فى أن «كنت سفيرا لدى السلطان»، وها هو يمهد له بغلاف يسيطر عليه مشهد فلكولورى يظهر الرئيس التركى بين جند ارتدوا ملابس العصور الغابرة فى فانتازيا هى خليط من الكوميديا السوداء والدلالات الشديدة السخرية. سيأخذنا فيها صلاح نفسه من خلال متن مخطوطته الثرية التى تجاوزت الثلاثمائة والعشرين صفحة من القطع المتوسط، تلخص مسيرة ثلاث سنوات أمضاها كسفير لمصر بالعاصمة أنقرة، وهى فترة صعبة غير مسبوقة مرت بها العلاقات المصرية التركية والتى مازالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة. وبطبيعة الحال لن تستطيع تلك السطور مهما تطُل أن تلم بمجمل الأحداث كما رآها وعايشها المؤلف، وبالتالى فلا مناص من إطلالة سريعة موجزة للمحتوى الذى وضعه مؤلفه فى أربعة عشر فصلا بجانب مقدمة، غير أنه لم يمنع من التوقف مليا عند محطات تبدو مفصلية. فبداية يقول أنه كان مدركا وهو يستهل عمله اعتبارا من عام 2010 بخطورة مناخ التأسلم الذى أصبح يظلل فضاء الأناضول بعد أن أرتدى ثوبه الاردوغانى يدلل على ذلك إيواؤه عناصر أخوانية سبق وأدانها القضاء المصرى المتحالفة مع تيارات إسلامية جهادية لم تترك فرصة إلا وقامت بتظاهرات ضد السفارة المصرية فى أنقرة وكذا قنصليتها بإسطنبول. وبالطبع لم يكن هذا بعيدا عن الحكومة، يشهد على ذلك ما نسبه لسلفه السفير الدكتور علاء الحديدى عندما سال احد قادة حزب العدالة والتنمية عمن يقف وراء تلك الاحتجاجات وهل للحزب الحاكم دور فى تحريكها؟ فما كان من الأخير أن أجابه نصا «يجب أن تحمد الله أننا لم نقتحم سفارتك». ولهذا كان المؤلف موفقا عندما استهل محتواه بفصل عنونه «وداعا تركيا» وكأنه أراد القول وهو محق لا شك إن تركيا التى عرفناها وألفناها على مدى تسعة عقود كاملة هى عمر الجمهورية الكمالية، ليست هى ذاتها التى سنعيشها مع حزب العدالة والتنمية الحاكم بمنطلقاته الدينية بدءا من صعوده فى نهاية العام 2001 وإلى الآن حيث تقترب العلمانية من أن تلفظ أنفاسها، أما الديمقراطية فهى الأخرى تتوارى وبخطى متسارعة لتفسح المجال كى يتسيده وريث رجل أوروبا المريض. ولأن مؤلفنا كان يراقب عن كثب بلاط السلاطين بعوراته وجنوحاته فهو يحكى لنا مدى التحريض الذى تعرضت له البعثة المصرية من هتافات وتنديد. بعبارات حزينة هذا الولع الهستيرى للباديشاه الاردوغانى المغرم بحشد العشرات فى ميليشيات لحراسته، ولأنهم تدربوا على الالتزام الحرفى بالتعليمات التى تصدر لهم، فلايهم أن تجاوزا فى حق سيادات الدول التى يزورها سيدهم وسلطانهم «عطية السماء للأناضول»، وهو ما حدث عندما زار مصر فى حقبتها الاخوانية ، وكان يفترض أن الرئيس التركى ذاهب للقاء أصدقائه الحميمين، بل اعتبر نفسه الشقيق الأكبر لقيادات الكنانة الجدد، إلا أن بودجارداته بطشوا بهم دون أدنى اهتمام بكون من أوسعوهم ضربا وزجرا مسئولين كبارا. جاء فى مقدمة هؤلاء الدكتور هشام قنديل ، فلم يشفع للرجل منصبه كرئيس الوزراء، إذ هجم عليه حراس الحاكم الأوحد وحينما حاول مقاومته حملاه ودفعاه دفعا للخارج ، وكاد قنديل أن يبكى وهو يجد نفسه وكأنه فى الصومال، إنها مشاهد قبيحة ومخجلة وما يدعو للدهشة أن أحدا من كبار الجماعة الإخوانية تجرأ وأعلن إدانته تلك الأفعال الفاضحة. على هذا النهج يسرد المؤلف كما من التفاصيل الكثيرة والمرعبة، ثم ينتقل إلى طبيعة أدائهم فهم أنصاف كفاءات لا دراية لهم بالحد الأدنى لما هو مفترض أن يعملوه فقط يسألون ماذا كان يفعل مبارك وكأن الأخير أصبح قدوة لهم. كنت سفيرا لدى السلطان. عبد الرحمن صلاح. القاهرة. دار نهضة مصر. 2019