تهديدات أطلقها ضد خصومه على ما دار الساعة، بيد أنه وصفها هو نفسه ب«الصفعات العثمانية» التى ستكون من نصيب أعدائه، تلك هى لغة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وهو يواجه معارضيه حتى قبل بدء الدعاية رسميا لماراثون المحليات الذى انتهى الاحد، وبجانب الوعيد راح أردوغان يستغل كافة إمكانات البلاد بكامل مؤسساتها ومرافقها من شرقها إلى غربها مرورا بشمالها وجنوبها، ليحط من قدر مناوئيه وتقزيمهم فى عشرات اللقاءات، والمؤتمرات الانتخابية، والتى كانت تنقل على الهواء مباشرة فى معظم وسائل الإعلام العامة والخاصة، فى حين تم حرمان من نعتهم بمؤيدى الإرهاب والارهابيين منها، ولولا أن هؤلاء لديهم القليل من الشبكات المتلفزة وعدد بالكاد يعد بأصابع اليد الواحدة من الصحف لما استطاعوا توصيل صوتهم للرأى العام . ورغم كل ذلك فشل أردوغان فى تكريس سلطانه، ليس ذلك فحسب، بل وضعت نتائج المحليات أولى بذور فناء نظامه، صحيح أن حزبه تصدر القائمة بنحو 44% يليه الشعب الجمهورى بنحو 30%، إلا أنه نجاح بطعم الخسارة المذلة، بعد أن فقد المدن الكبري، ويأتى على رأسها أنقرة ذات الأهمية الإستراتيجية، فى صفعة كبيرة تلقاها، فعلى حد تعبير موقع أحوال «فما معنى أن الأرض والمدينة التى يقع فيها قصره ومكاتب حكومته وكلاهما باتا تحت ولاية أشرس الاحزاب المعارضة»، أما الضربة القاضية فجاءت من معقله الذى طالما تغنى به إنها إسطنبول إذ تم انتزاعها من براثن صديقه بن على يلدريم لتصبح فى يد أكرم إمام أوغلو، كذلك ضاعت منه أنطاليا درة السياحة والتى تستحوذ على 34 بالمائة من إجمالى الأماكن السياحية بتركيا، وفق بيانات وزارة الثقافة والسياحة. هذا هو الانتصار الحقيقى الذى ناله الشعب الجمهوري، وطبيعى أن يزحف انصاره ليتجمعوا بالمئات أمام مقر الحزب بضاحية بلجت الشهيرة وسط العاصمة، يحتفلون بالفوز العظيم لكن آن الأوان للتخلص من قبضة الحزب الحاكم بعد أن جثم على مدينتهم نحو ربع قرن خلالها نزع منها العدالة وحرمها من التنمية لدرجة أن بعض أحيائها تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة . لكن المعركة لم تنته، فساكن القصر الرئاسى لن يستسلم، وما زالت مفاصل الدولة ملك يمينه، وهو الذى هدد من سوف ينتصرون بالسجن، وتعيين أوصياء مدنهم، أما أصوات الناخبين فلتذهب للجحيم. ألم يقل منصور ياواش قبل أيام إنه إذا فاز فقد يكون هذا مدخلا لتدميره وذلك على خلفية تهديد أردوغان عندما صرخ موجها تحذيره له حتى لو فزت بالعاصمة فسوف تجد نفسك أمام القضاء. ويواجه كيلتش دار أوغلو زعيم الشعب المنتصر بالمدن الكبرى تهمة إهانة وزير الداخلية سليمان صويلو خلال خطاب بثه التليفزيون قبل 10 أشهر، وبدأ ممثلو الادعاء بالفعل إجراءات تهدف إلى رفع الحصانة البرلمانية عنه حتى يتسنى توجيه الاتهام إليه ومحاكمته كما يجرى التحقيق مع زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار، والتى سبق أن توعدها الرئيس بالسجن لتلحق بالزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش المسجون منذ أكتوبر 2016 . وفى الوقت نفسه، يتم التحقيق القضائى مع نائبة حزب الشعب الجمهورى فى البرلمان «أيسو بانك أوغلو» بتهم تتعلق بنشر الدعاية الإرهابية والإشادة بالجريمة والمجرمين، فى إشارة إلى حركة خدمة التابعة لجولن. وقالت «بانك أوغلو» إن كلماتها انتزعت من سياقها، وأرجعت ذلك إلى سيناريو ممنهج أعدته الحملة الانتخابية لحزب الرئيس بهدف توصيل رسالة إلى الرأى العام مؤداها أن «المعارضة تسعى إلى تشكيل تحالف مشين مع حزب العمال الكردستانى والمنظمات الأخرى المحظورة كإرهابيين»، والمرجح أن تكون الدعاوى القضائية الأخيرة مؤشراً على أن الحزب الحاكم يخطط للمزيد من القمع القضائى ليشمل جميع أطياف المعارضة. إذ أطلقت النيابة العامة فى مدينة تونجلى ذات الغالبية الكردية، جنوب شرق الأناضول تحقيقات بحق رئيس حزب الشعوب الديمقراطية الكردى «سزاى تمللي» بتهمة «الدعاية لتنظيم إرهابى وامتداحه» فى إشارة إلى منظمة حزب العمال الكردستانى الانفصالية، وطالبت برفع الحصانة البرلمانية عنه. فى المجمل تركيا مقبلة على تغييرات، فأردوغان وانطلاقا من هذا التراجع، ربما فكر فى اتخاذ إجراءات لتعزيز سطوته أكثر، وهذا ما ذهبت إليه صحيفة خبر تورك عندما قالت إن رئيس الجمهورية سيعلن بعد الانتخابات المحلية عن تشكيل وزارة جديدة باسم «وزارة الأمن» لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وجمع المؤسسات الاستخباراتية المسئولة عن امن البلاد داخليا تحت سقف واحد، غير أن المشكلة لم تعد تنحصر فى المعارضة فحسب بل داخل حزبه، ولم يجد عبدالرحمن ديليباك الصحفى المقرب من أردوغان غضاضة فى أن يشدد على ضرورة التخلص من الفساد والرشوة والمحسوبية المتفشية فى أركان الحكم وفى مقاله المعنون «الشيطان يتحدى» والمنشور بصحيفة «عقد» الدينية المحافظة، ودون أن يشير بشكل مباشر إلى أردوغان أو أى مسئول حكومى. وليس فى الأمر مصادفة تلك التسريبات التى اشارت إلى احتمال أن يؤسس أحمد داود أوغلو حزبا سياسيا، ولعل ما أسفرت عنه الانتخابات تكون دافعا لإعلانه، وهو ما يعنى أنه سيستقطب نواب من العدالة الحاكم ونقلت صحيفة جمهوريت التركية العلمانية عن الكاتب الصحفى البارز فاتح الطايلى قوله إن داود اوغلو أسس 40 مكتبا لحزبه الوليد فى عدد من مدن البلاد، وهناك شخصيات شهيرة واسماء مهمة انضمت إليه، وأشار الطايلي أيضا إلى أن رئيس الجمهورية السابق عبد الله جول، يشاركه نائب رئيس الوزراء الأسبق على باباجان يسعيان إلى تشكيل كيان حزبى آخر وإذا حدث ذلك فعدالة أردوغان قد تجد نفسها أقلية فى برلمان تسيدت أغلبيته لنحو 17 عاما.