الدساتير ليست من الكتب السماوية المقدسة التى أنزلها الله على عباده، وهى عمل بشرى يجرى عليها كل ما يجرى على أعمال البشر من النقصان، لكنها فى ذات الوقت نفسه ليست من الكتب البشرية التى تباع على الأرصفة، وإنما هى أبو القوانين، وهى عقد اجتماعى تكتبه الأوطان لتحدد فيه النظام السياسى للدولة، سواء كان ملكيا دستوريا أو رئاسيا جمهوريا، ودور البرلمان فى كل منهما، وتضبط به منظومة الحقوق والواجبات، وضوابط العدالة الاجتماعية، والمساواة وتكافؤ الفرص، وتضع فيه قواعد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقواعد الممارسات الديمقراطية، وضوابط الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية واستقلالها، ولأنها عقد اجتماعى ينظم تلك العلاقات المتشابكة بين الدولة بمؤسساتها المختلفة وبين الشعب بكل طوائفه وفئاته فهى تكتب لتبقى طويلا، وتكتب لتخاطب جموع المواطنين الذين هم الشعب صاحب السيادة. لكن ذلك لا يعنى أبدا جمود الدساتير وعصيانها على التعديل كلما دعت الحاجة لذلك، وكل دساتير العالم تعدل موادها جزئيا أو كليا وتضاف لها مواد كلما كانت هناك حاجة نشأت عن تغير لظروف الدول أو شعوبها على سلم الحضارة الإنسانية، ولقد بدأت رحلة كتابة الدساتير المصرية الحديثة مع الاستقلال عام 1923، ويوجد لدينا علامتان بارزتان هما دستور 1923 وكان يؤسس لمصر الملكية ونظامها البرلماني، الى إن قامت ثورة 23 يوليو 1952 بإسقاطه، أما العلامة البارزة الثانية فكانت دستور الثورة الذى توج بدستور 1971 والذى بقى موجودا إلى أن عطلته ثورة 25 يناير 2011، ومنذ يناير 2011 تعاقب علينا دستوران هما دستور 2012 الذى عطل بقيام ثورة 30 يونيو2013، ليعقبه دستور 2014 الذى تجرى الآن خطوات تعديله، ومن حيث المبدأ فلا غرو أبدا فى تعديل الدساتير طالما أن هناك حاجة حقيقية لذلك، وأنا ممن يعتقدون صراحة بأن بعض مواد دستور 2014 لم تنل العناية الكافية من لجنة الخمسين عند كتابة الدستور ابتداء, ففترة اربع سنوات للرئيس ليست مناسبة لأكثر من سبب، أولها انها فترة قصيرة نسبيا، وثانيها أنها تختلف بلا سبب منطقى عن فترة انتخاب البرلمان (خمس سنوات)، وأعتقد بضرورة ان تكون الفترة الرئاسية مساوية لفترة البرلمان وكل منهما خمس (5) سنوات، وكتبت ايضا آنذاك عن غياب غير مبرر لمنصب نائب الرئيس فى دستور 2014، ولذلك انا من المؤيدين لعودة ذلك المنصب المهم جدا فى النظم الرئاسية او شبه الرئاسية خاصة فى البلدان التى لم تنضج فيها الحياة السياسية الحزبية بما يكفي، وذلك لضمان استقرار الحكم حال غياب الرئيس لأى سبب لا قدر الله، لكنى اعتقد بضرورة انتخاب نائب الرئيس على كارت انتخاب الرئيس نفسه، لكى يكون وجود نائب الرئيس محصنا خلال فترة الرئاسة كلها. ونأتى هنا للنقطة المهمة فى التعديلات الدستورية الجارى اتخاذ خطواتها حاليا والتى تتمحور حولها جل النقاشات، وهى المادة المتعلقة بعدد فترات الرئاسة، وهل هى فترتان فقط فى العمر، أم أنهما فترتان متتاليتان فقط مع إمكانية عودة الرئيس نفسه للحكم مجددا بعد خروجه منه وتولى رئيس آخر لفترة بينية، وأنا أعتقد أن الجمع بين تعديل زيادة فترة الرئاسة لتصبح 6 سنوات، وتعديل حظر فترات الرئاسة من فترتين فقط فى العمر الى فترتين متتاليتين مع إمكانية العودة مجددا بعد الخروج لفترة بينية، هو جمع قد يكون غير متجانس، وقد لا يخدم كلا التعديلين بعضهما البعض، وكذلك قد يغنينا التعديل فى أحدهما عن التعديل الآخر، فان كنا سنتفق على تعديل المادة 140 لكى تحظر على أى مصرى أن يكون رئيسا لأكثر من فترتين متتاليتين، ثم تجيز له العودة مجددا للترشح بعد الخروج لفترة بينية، فلنبق إذن على فترة الرئاسة 4 سنوات، وفى هذه الحالة نكون قد حققنا كل الأهداف المرجوة سواء بزيادة فترة الرئيس فى السلطة بتعدد المدد الرئاسية بشرط عدم تتابعها إلا لفترتين فقط، ونكون قد تمسكنا أيضا بضرورة إتاحة الفرصة كاملة لكى تنضج فكرة تداول السلطة ذاتها على فترات زمنية متقاربة نسبيا (كل 8 سنوات) الى ان تصبح ثقافة لدى المصريين، أما إن كانت الرئاسة فترتين فقط فى العمر فهنا يكون مقترح زيادة الفترة الى 5 سنوات أو 6 سنوات منطقيا ولا غبار عليه. لمزيد من مقالات د. أحمد الجيوشى