فى عبارات لا تقبل التأويل وضع البنتاجون والخارجية الامريكية ومعهما الكونجرس ، حليفتهم التركية التى تكاد تخرج من فضائهم ، أمام خيارين لا ثالث لهما إما صواريخ إس 400 ، أو الطائرات المقاتلة المتطورة من طراز إف 35 ومعها منظومة باتريوت، وفى حال أصرت على المضى قدما صوب المنظومة الروسية المثيرة للجدل فستواجه عقوبات وخيمة. فى المقابل عاد الرئيس التركى، إلى تصريحاته «المتشنجة » التى سيخفف منها لاحقا ، منددا بازدواجية سياسات الدول ( واشنطن وعواصم الناتو ) التى تطالب أنقرة بعدم إكمال الصفقة، فى حين تصمت حيال بلدان أخرى تمتلك إس- 300 الدفاعية، مثل اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا. ولم يكتف بذلك بل تجاوز منفعلا ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء منوها بأن حكومته قد تفكر فى شراء النسخة الأكثر تطوراً أى إس-500، مشيرا إلى أن القضية ليست فى إس-400، ولكن فى رغبته فى التحرك ب «حرية » بالمنطقة فى إشارة إلى الشمال السورى. وفى حملة التنديد والشجب راح وزير دفاعه يغرد على ذلك النهج الغاضب معتبرا التلويح بالامتناع عن تزويد بلاده بمقاتلات إف 35 يتنافى مع القانون والمنطق، خصوصا فى الوقت الذى يتلقى فيه الطيارون والتقنيون والضباط الأتراك تدريبات على تشغيلها فى الولاياتالمتحدة. لكن ردود الفعل هذه لا يبدو أنها ستغير الموقف الامريكى ، فما هو معلن ومايدور خلف الكواليس ، يقول إنه لا مجال للنقاش، والكرة أصبحت فى ملعب الاناضول ، طبعا هذا التصعيد لا يأتى من فراغ ، بل هو ترجمة لسلسلة من الخلافات بين أنقرةوواشنطن أوجدت فجوة تتسع بصورة مطردة لتخلص إلى نتيجة مفادها أن «العلاقة الحالية بين تركياوالولاياتالمتحدة تشهد بالفعل تراجعاً خطيراً، ربما يكون الأول من نوعه فى تاريخ العلاقة بين البلدين» بحسب ماقاله السفير التركى السابق لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية فاروق لوغ أوغلو. فهناك العديد من القضايا العالقة والمشكلات شبه المستعصية ليس فقط ما يتعلق بالقضايا الإقليمية بل الدولية، ولعل مساندة أردوغان للرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو خير دليل على ذلك, يضاف إليه التحالف المتنامى مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وها هو تقرير ل «سى آى إيه» يؤكد أن سلوك قادة تركيا جعل أنقرة أكثر استعدادًا لتحدى الأهداف الإقليمية الأمريكية وبدوره قال السيناتور توم تيليس : «لسنوات عديدة ، كانوا يتحركون فى اتجاه أكثر انسجاما مع معظم شركائنا فى الناتو ، وهم الآن يسيرون فى اتجاه مختلف»، أى أن التحالف بين الولاياتالمتحدةوتركيا يمكن أن يتحطم. وربما تكون العقوبات قد بدأت بالفعل خصوصا مع الأنباء التى اشارت إلى أن البيت الابيض قد يبقى على 1000 جندى فى سوريا وهو ما يعنى عمليا أنه لا انسحاب أمريكى وهو ما يعد تراجعا عما سبق وأعلنه ترامب نهاية ديسمبر الماضى ، وقراءة ذلك بالنسبة للنخبة فى أنقرة هو أن البيت الابيض لن يتخلى عن دعم قوات سوريا الديمقراطية وذراعها المسلحة وحدات حماية الشعب الكردية ومن ثم فالمعطيات الجديدة على الأرض السورية ستعيد أردوغان إلى المربع الأول. وفى إطار توزيع الادوار سار آكار على طريق رئيسه، ليؤكد أنه لا شىء يعرقل مقاتلات إف 35 ، وإنهم ينتظرون وصولها إلى مدينة مالاطيا شرق البلاد بعد تسعة أشهر أى فى ديسمبر المقبل علما بأن استعدادات البنية التحتية استُكملت ، والموعد الذى أشار إليه الوزير هو ذلك المفترض أن تتسلم فيه بلاده صفقة صورايخ أس 400 الروسية الذى أثير ومازال بشأنها جدل كبير. فماذا يعنى هذا ؟ الخبير التركى أوميت ألبيرين عميد كلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة سليمان دمرييل بأنقرة، يجيب قائلا إن الغموض وعدم اليقين سوف يستمر حول صفقة صواريخ إس 400، وذلك حتى لحظة تسلمها، على الرغم من أن الجانبين التركى والروسى قد أعربا عن رضاهما عن الصفقة.