فى تحول واضح لأسلوب ومنهج عملها تلقى فريق النخبة من قوات العمليات الخاصة الامريكية أوامر جديدة من البنتاجون تتعلق بتحويل الاهتمام من تتبع الجماعات الارهابية المتطرفة، وهو المنهج المتبع منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر لتوجه آخر بأن تضع نصب أعينها متابعة القوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة مثل الصينوروسيا. وطبقا لصحيفة ال «واشنطن تايمز» فى تقرير لها وصفته بالحصرى فإن مسئولى قيادة العمليات الخاصة الامريكية بصدد وضع مسودة بهذه التوجهات الجديدة، وذلك لإعادة توجيه قيادات الوحدات العسكرية بما يتماشى مع هذا التحول فى الأولويات لمواجهة توسع الجيوش والقوات البحرية لما يعتبره المحللون الاستراتيجيون الامريكيون القوى المناظرة لهم. وفى ظل هذا التوجه الجديد الذى مازال ينتظر موافقة قائد القوات الجنرال «ريموند.ايه. توماس»، فإن ضباط وجنود العمليات الخاصة سيلعبون دورا أكبر فى مجال الحرب الإلكترونية والمعلومات ودعاية العصر الرقمى، كما تؤكد مصادرهذه القوات وكذلك تدريب حلفائهم على هذه المهارات الحديثة. هذا المعنى أكده بدوره أندرو كاناجس نائب مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة ومحاربة الإرهاب مطلع الشهر الماضى، الذى أشار لأهمية مراجعة استراتيجية عمل قوات العمليات الخاصة، لأنهم لن يواجهوا مشكلاتهم بطرق الردع التقليدية فقط.. ومنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر وقوات العمليات الخاصة توجد فى الخطوط الأمامية فى الحرب العالمية التى تقودها الولاياتالمتحدة على الإرهاب، من قيادة الحرب ضد طالبان والقاعدة فى افغانستان عام 2001، إلى الحرب ضد تنظيم داعش ودولة الخلافة المزعومة فى سوريا عام 2014. ولكن استراتيجية البنتاجون الجديدة للدفاع الوطنى، والتى وضع خطوطها العريضة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس تبتعد بشكل واضح عن توجه الحرب ضد تنظيمات وجماعات إرهابية متطرفة لمواجهة قوى عظمى منافسة. وطبقا لهذه الاستراتيجية الجديدة، فإن أوروبا وآسيا تعود مجددا لتتصدر التهديدات التى تواجه القوات الامريكية، بينما سيصبح الشرق الاوسط مسرح عمليات يمكن التعامل معه، وليس منطقة تستنفد قدرات القوات الامريكية. وبغض النظر عما إذا كان هذا التحول يعد فرصة أو محاولة لتحجيم هذه القوات الخاصة وتقليم أظافرها، فإنه يعد قضية مثيرة للجدل إلى حد كبير فى الدوائر العسكرية. خاصة أن بعض الآراء الناقدة ترى أن هذه القوات التى تضم أفرادا من عدة أفرع من الجيش مثل البحرية والجوية والمارينز توسعت إلى حد كبير وازداد عددها من 45 ألف جندى عام 2001 لحوالى70 ألفا فى الوقت الحالى، وهذا التوسع ليس أمرا صحيحا على الإطلاق. خاصة فى ظل التقارير التى أشارت لوجود سلبيات مثل انتشار تعاطى المخدرات بين بعض أفراد هذه القوات، والأخطاء التى تحدث بين الحين والآخر، منها على سبيل المثال المهمة التى قامت بها هذه القوات فى النيجر عام 2017، ولقى خلالها 4 أمريكيين مصرعهم فى كمين، واتهام اثنين من جنود القوات البحرية بقتل جندى من العمليات الخاصة فى مالى. وكانت دراسة استطلاعية أجرتها وحدة خدمات بحثية تابعة للكونجرس حول موضوعات تتعلق بعمل قوات العمليات الخاصة قد أظهرت أن المراجعات الدورية المقررة عكست قلق الكونجرس من قادة هذه العمليات ومهامها. كما أن هناك قلقا متزايدا فى الكونجرس حول سوء السلوك وأخلاقيات العمل والاحترافية والمهام والمسئوليات التى يضطلعون بها، حيث ركز التقرير تحديدا على قدرة قوات العمليات الخاصة على مواجهة التهديدات المستقبلية فى الصراعات التى يواجهونها. وهنا يشير أوين ويست رئيس ادارة العمليات الخاصة بالبنتاجون الذى واجه انتقادات لجنة الاستماع التى عقدها الكونجرس فى الرابع عشر من فبراير الماضى، إلى انه يستطيع أن يؤكد أن قوات العمليات الخاصة لا تعانى التوسع المفرط، وأن أفرادها فى منتهى الكفاءة ولديها الحماس والرغبة للدفاع عن الأمة ضد أعدائها. هذا التحول فى مهمة عمل هذه القوات انعكس بالفعل فى تخفيض مهامها التقليدية فى مجال مكافحة الإرهاب حول العالم. وكان ترامب قد أعلن قبيل نهاية العام الماضى عن إعادة اكثر من الفى ضابط معظمهم من قوات العمليات الخاصة فى سوريا إلى الولاياتالمتحدة، باعتبار أن تنظيم داعش يتراجع وأوشك على الانهيار، رغم أن البيت الأبيض أعلن لاحقا أن قوة دائمة قوامها 200 جندى ستظل فى سوريا. كما أعلن بدوره ضابط بقيادة القوات الامريكية فى إفريقيا أخيرا أنه سيتم تخفيض عدد هذه القوات بنسبة عشرة بالمائة خلال السنوات الثلاث المقبلة، حيث سيتم سحب 300 جندى من قوات العمليات الخاصة بشكل دائم من القارة ابتداء من يونيو 2020 وحتى يناير 2022. تغيير وجه الحرب ومع أن البنتاجون وضباط قيادة العمليات الخاصة أكدوا أن مهمة محاربة الجماعات المتطرفة ستظل جزءا من التكليفات المهمة لهم، فإن التوجهات الجديدة ستركز بشكل أوضح على المهارات غير التقليدية فى العمليات المعلوماتية فى الفضاء الإلكترونى. وهنا يشير ويست إلى أن طبيعة الحرب لم تتغير، ولكن مقومات وسمات هذه الحرب هى التى تغيرت بشكل واضح خلال ال15 سنة الأخيرة، فالتعامل مع الحلفاء والمشكلات التى ظهرت تتطلب وجود قوات العمليات الخاصة. هذا التحول فى المهام من اسلوب العمليات المباشرة التى طالما ظهرت فى أفلام هوليوود والمنتشرة فى الثقافة الشعبية الامريكية فى فترة ما بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر، إلى مهام تتسم بالدهاء ليس أمرا وليد اللحظة، ولكنه بدأ بالفعل منذ فترة، وتحديدا منذ عام 2015، حيث بدأت آنذاك فرق من قوات العمليات الخاصة التعامل مع الحرب الإلكترونية ونفذت فى نفس الوقت مهام عسكرية تقليدية. وفى هذا الصدد يقترح الجنرال باتريك دوجان وهو قائد كتيبة سابق ضمن المجموعة الثالثة للقوات الخاصة ويشغل حاليا منصب مدير الأمن الإلكترونى بمجلس الأمن القومى إنشاء فرق لحروب الفضاء الالكترونى على غرار وحدات «ألفا»، وتتكون من 12 إلى 15 شخصا. هذه الفرق تكون مهمتها فى البداية استخدام مواقع التواصل الاجتماعى ومنتديات الحوار على شبكة الانترنت والوسائط الإلكترونية الاخرى لاستهداف قادة التمرد ونشر المعلومات وتجنيد المقاتلين بالوكالة وعملاء المخابرات، وذلك كخطوات تسبق التدخل الفعلى، ثم يعقب ذلك نشر قوات العمليات الخاصة على الأرض للتنسيق مع المجموعات الداعمة لهم، والتى سبق تجنيدها عبر الفضاء الإلكترونى لتنفيذ مهمتها. بمعنى آخر هذه الفرق تبدأ مهمتها من العالم الرقمى ثم تنفذها على الأرض من البداية للنهاية فيما يعرف بالحرب غير التقليدية. وهنا يشير الجنرال توماس إلى ضرورة أن يتقن افراد القوات الخاصة عدة مهارات، حيث أوضح أمام لجنة الكونجرس أنهم يزيدون استثماراتهم فى طيف واسع من التكنولوجيا الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعى والروبوتات الحديثة وتطوير الذخيرة. والمثير للسخرية أن مراجعة هذه المهام أظهرت أن الدول التى حددها الكونجرس باعتبارها خصوما رئيسيين ومنها على سبيل المثال «الحرس الثورى الإيرانى» غالبا ما تستخدم تقنيات مشابهة فى مجال الفضاء الإلكترونى، وعلى سبيل المثال فقد استخدمت قوات الحرس الثورى نفس التقنيات تقريبا لتحديد هوية واعتقال قادة الثورة الخضراء التى فشلت فى إزاحة الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد عام 2009. كما أن فرق العمليات الخاصة الروسية وظفت قراصنة مرتزقة وخبراء فى مجال حروب الفضاء الإ،لكترونى لشن حرب عبر الانترنت ضد أوكرانيا، وهو ما مهد الطريق أمام القوات شبه العسكرية المدعومة من روسيا للتمدد فى مدينة كريميا ووضعها تحت سيطرة موسكو عام 2014.