تشكيل الوعى قضيتنا الأولى، وتغييب الوعى أكبر تحد يواجهنا، والمواطن المغيب عبء علينا جميعا. هذا هو الواقع المرير الذى نعيشه. فالوعى الزائف، أو المزيف بفعل فاعل، أسقط دولا من حولنا، وكاد يسقط بلادنا، وفى طريقه ربما لإسقاط دولة أو دولتين فى منطقتنا. ولكن، هل الوعى قضية الدولة ومؤسساتها فقط؟ هل هى قضية السيسى وحده؟ هل سنبقى طويلا على هذه الحال؟ دولة تتماسك وتحاول وتجتهد وتنهض وتنجح، وتخفق أحيانا، و«مغيبون» لا قيمة لهم يمحون كل إنجازاتها «بأستيكة» فى لمح البصر بتدوينة، أو تغريدة تافهة، أو بهاشتاج ثلاثة أرباع المشاركين فيه من خارج مصر؟! طيب، هل سيظل الرئيس يحدثنا عن حرب الوعي، دون أن نفعل شيئا؟ ألا يعد الوعى قرارا ذاتيا؟ يتخذه الإنسان بإرادته؟ هل يزيد الوعى بقانون مثلا؟ أو هل من ليس لديه وعي يخضع لعقوبة ما؟! قل لى بالله عليك: ماذا يفعل السيسى فى مواطن لا يقرأ، ولا يسمع، ولا يفهم، ولا يريد أن يفهم؟ ماذا يفعل السيسى فى شاب لم يقرأ في حياته كتابا أو صحيفة أو يشاهد نشرة أخبار؟ ماذا يفعل السيسى فى مواطن علموه ولقنوه فى «مدرسة يناير» كيف تكره الوطن، والرئيس، والجيش، والشرطة، والمؤسسات، والحكومة، والوزير، والمدير، وكيف تكون شريكا مخالفا ومشككا وتتحدث فيما لا يعنيك، وتفتى فيما لا تعرفه، على طول الخط؟ ماذا يفعل السيسى فى مواطن ما زال يتلقى المعلومات والأخبار ببلاهة واستسلام شديدين من الجزيرة والشرق ومكملين؟ ماذا يفعل السيسى فى شاب تحول إلى صنم ملتصق بهاتفه المحمول يتلقى المعلومات والتعليمات والتوجيهات والتحذيرات والنصائح والإرشاد من السوشيال ميديا؟ ماذا يفعل السيسى فيمن لا يزال حتى يومنا هذا يصدق كل ما يصل إليه من شائعات، بل يشارك فى الترويج لها؟ ماذا يفعل فى مواطن مقتنع تماما بأن العمليات الإرهابية من صنيعة الدولة لتخويف الناس؟ ماذا يفعل فى مواطن ينتفض إذا مس أحد أكله أو شربه، ولا تتحرك مشاعره لصورة شهيد أو ابن شهيد أو أم شهيد؟ ماذا يفعل السيسى فى مواطن ما زال «بيشاور عقله» فيما إذا كان الإرهابيون إرهابيين فعلا أم «ناس طيبين» و«ولاد حلال» ولهم قضية، والدولة هى المفترية؟! ماذا يفعل السيسى فى مواطن لا يزال يرى أن تطوير التعليم «فنكوش»، وحملات الصحة «شو إعلامي»، وأى قرار يتخذه أى وزير أو مسئول رجس من عمل الشيطان؟ ماذا يفعل السيسى فى مواطن لم يتعلم من أخطائه؟ ماذا يفعل فيمن دعا إلى ثورة بسبب حادث قطار؟ وماذا يفعل فى «مخابيل» كادوا يقومون بثورة بسبب موعد مباراة؟ ماذا يفعل السيسى فى إعلام خاص لا يخدم إلا نفسه و«نرجسيته»؟ ماذا يفعل ولديه إعلام قومى وطنى محب لمصر بحق، ولكن يتعرض لحملة تشويه قذرة منذ ثمانى سنوات، ويتهمونه بالنفاق والتطبيل كلما وقف فى ظهر الوطن، دون أن يجد من يغيثه أو ينصفه؟ هل مطلوب من الرجل أن يحمى مقدرات الوطن بمفرده؟ ألم تتحدث الدولة بإعلامها ومؤسساتها بما يكفى عن حروب الجيل الخامس والسادس والخطط والمؤامرات؟ ألا يكفى ما يجرى حولنا لإقناع هؤلاء المغيبين عمدا أو طوعا بأن الوطن واستقراره وأمنه أهم مليون ألف مرة من شعارات الحرية والديمقراطية والتعددية البلهاء التى لا يطبقونها على أنفسهم؟ لا حل أمامنا سوى محاربة العدو بنفس سلاحه، فإذا كانت «السوشيال ميديا» هى الأداة الرئيسية لتغييب الوعي، بل لتثبيت هذا التغييب عند المغيبين، فقد أصبح لزاما على الدولة والغيورين عليها استخدام السلاح نفسه فى هذه الحرب، وبمشاركة الدولة والمواطنين الغيورين عليها معا، وبخلاف ذلك، ستبقى السوشيال ميديا سلاحا فعالا جدا لتغييب المزيد من المصريين، ولم يعد ينفع تجاهلها، لأن «العملية مش ناقصة». الآن، على الدولة والمواطن المؤيد لها نزول «الملعب» بأنفسهم، ليس فقط بهدف تعقب دعاة الإرهاب والفوضى، أو الرد على هذا أو ذاك، ولكن أيضا لتقديم الخبر والمعلومة والرد المناسب وقت الحدث، ودعم الحملات المخلصة التى تقوم بدور مهم فى الدفاع عن أمن الوطن واستقراره، كحملات التصدي لتزييف التاريخ وإهانة الرموز، وحملات فضح الفساد والفاسدين، ومحاربة الغش التجاري، وكذلك حملات الترويج للسياحة والمنتجات المصرية. والأهم من ذلك انتقال الدولة بمساعدة المواطن أيضا من مرحلة نفى الشائعات، إلى مرحلة فضح مصادرها، وتعقب مروجيها ومساءلتهم. .. ولن يفل «السوشيال ميديا» إلا «السوشيال ميديا»! لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل