فى احتفال كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالعيد الفضى للشعبة الفرنسية، وصف السفير الفرنسى ستيفان روماتيه هذه الشعبة بأنها جوهرة، ونموذجا تحب فرنسا أن يشيع فى شراكاتها الأكاديمية المقبلة، خاصة أنها تتم فى إطار أكبر جامعتين فى فرنسا ومصر وهما جامعة السوربون وجامعة القاهرة. هذه الشهادة من السفير الفرنسى فى القاهرة لاشك أنها تثلج صدور كل من شارك فى تأسيس هذه الشعبة وخدم فيها على مدى خمسة وعشرين عاما، فلقد اختار روماتيه وصفا بالغ الأناقة والرقى للتعبير عن تقديره للدور الذى تلعبه هذه الشعبة فى تعزيز العلاقات الثقافية المصرية -الفرنسية هو وصف الجوهرة. نبتت فكرة هذه الشعبة عام 1993، وقتها كان الدكتور أحمد الغندور «رحمه الله» عميدا للكلية، ولم تكن معركة الإنشاء معركة سهلة، فأنا أذكر المقاومة الشديدة التى لاقتها هذه الفكرة فى قسم العلوم السياسية، فلقد كان هناك من يخشى أن تؤدى الشعبة إلى نوع من التمييز بين طلابها وطلاب الشعبة العربية، وهناك من تخوف من العصف بمجانية التعليم، وجميع تلك الهواجس كان مبررا ومشروعا. لكن كانت دفوع المتحمسين للفكرة - وفى مقدمتهم رئيس القسم الدكتور علّى الدين هلال وكان أمينا عاما للمجلس الأعلى للجامعات - أن مجانية التعليم ما قبل الجامعى غير قائمة عمليا بسبب التكاليف الباهظة للدروس الخصوصية، وأنه يمكن تفادى التمييز بين الطلاب من خلال آليات مختلفة للدمج منها تدريس بعض المقررات باللغة العربية للشعبتين. وأثبتت الممارسة كيف أفادت الشعبة الفرنسية العملية التعليمية فى الكلية، فمن ناحية أتاحت الشعبة انفتاحا على الطرق الفرنسية فى التدريس والتقييم والبحث العلمى ووفرت قنوات للتفاعل الثقافى المصرى - الفرنسى، ومن ناحية أخرى ساهمت مصروفات الدراسة بهذه الشعبة فى تطوير قاعات الكلية وتجهيزها على أعلى مستوى ودعّمت التدريس فى الشعبة العربية والتعليم فيها مجانى كما هو معلوم، ومن ناحية ثالثة خرّجت الشعبة على مدار عمرها ألف طالب وطالبة توزعوا على المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية ومفوضية اللاجئين، ودرّسوا وتوّلوا مناصب إدارية فى أعرق الجامعات العالمية من هارفارد إلى السوربون. وكان هذا كله مبررا لانضمام بعض معارضى إنشاء الشعبة الفرنسية للتدريس فيها لاحقا. عندما تم طرح هذه الفكرة على الجانب المصرى، كان المنطق الفرنسى هو أن خريجى المدارس الفرنسية يتوجهون للجامعة الأمريكية بعد انتهاء دراستهم الثانوية، وأن وجود شُعَب فرنسية فى الكليات المختلفة يساعد على اجتذابهم للدراسة فيها، وكانت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مهيأة بطبيعتها لاستضافة أول نواة لهذه الفكرة بحكم أنها كلية محدودة العدد. أدار مفاوضات الإنشاء مع السفارة الفرنسية باقتدار أربعة من أساتذة الكلية الكبار هم الدكتورة هناء خير الدين «رحمها الله» والدكتورة نازلى معوض والدكتور باهر عتلم والدكتورة ليلى الخواجة حفظهم الله، وقد جرى تكريمهم جميعهم فى مناسبة اليوبيل الفضى تقديرا لدورهم الذى تواصل بعد ذلك بصور مختلفة. وفى الحديث عن بدايات الشعبة من المهم الإشارة إلى أن التعاون الثقافى فى تسعينيات القرن الماضى كان فى أوجّه بين كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والاجتماعية والقانونية (سيداچ) بالقاهرة، وقد ترأسه حينها المُحب الكبير لمصر وأستاذ الاجتماع بجامعة السوربون چون كلود ڤاتان، ومثل هذا التعاون وفّر مناخا مناسبا لتطوير العلاقة، وهكذا بدأت الانطلاقة. استمرت الشعبة الفرنسية فى التطور على مدى ربع قرن وصولا إلى منح شهادة بكالوريوس مزدوجة من جامعتّى القاهرة والسوربون لخريجى قسمى الاقتصاد والعلوم السياسية بالكلية بموجب اتفاقية ثنائية فى عام 2010، وكذلك منح درجة الماچستير فى اقتصاديات التنمية بموجب اتفاقية أخرى مع جامعة السوربون فى عام 2018، وجار التفاوض لاستحداث درجة مماثلة فى إطار قسم العلوم السياسية. والجديد أنه بالإضافة لورش العمل المصرية -الفرنسية المشتركة واستمرار تبادل الطلاب، فإن الأساتذة الفرنسيين الزائرين سيلقون محاضرات باللغة الإنجليزية على كافة طلاب الكلية. ومثل هذا التوسع المضطرد سنده العمداء المتعاقبون وصولا إلى آخر عميدين وهما الدكتورة هالة السعيد والدكتور محمود السعيد. فى الاحتفال باليوبيل الفضى للجوهرة داخل حديقة السفارة الفرنسية بالقاهرة، كان رائعا أن نستمع إلى كلمة من المدير الأكاديمى للشعبة الفرنسية الدكتور شهير زكى وهو أول من يتولى الإدارة من خريجى الشعبة. كانت كلمته مفعمة بمشاعر دافئة لامست كل الحضور، فهذا الشاب كان بوسعه أن يجد فرصة عمل بسهولة خارج مصر، لكنه عاد مباشرة من فرنسا بعد حصوله على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد ووضع علمه وجهده فى خدمة الكلية والوطن. وكم كان مؤثرا حين عبّر عن علاقته بالشعبة الفرنسية من خلال أغنية لفيروز -وهو عاشق كبير لها -قائلا سنى عن سنى عّم تغلى ع قلبى يا عهد الولدنة، وياحلو يا حبيبى ما ببيعك بالدنى، وكل سنى بحبك أكتر من سنى، ومن حوله شباب فى عمر الزهور من خريجى الشعبة ساهموا فى إخراج الاحتفال كأجمل ما يكون. لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد