كان الكاريكاتير دائماً هو الوسيلة الإعلامية الأقرب لعيون وقلوب وأرواح المصريين،، فهو لا يحتاج الى لغة أو تعلم، فقط يكفى أن ترسم صورة تعبر بها عن فرحك أو غضبك أو سخطك من شىء ما فيراها القارئ ويفهمها ويشعر بها فتصل الرسالة، وهو ما برعت فيه الصحافة إبان ثورة 1919 وما تبعها من أحداث وأزمات مرت على مصر وزعيمها سعد زغلول ورفاقه ولاسيما أيام النفى،، وقد إهتمت الجرائد والمجلات فى بدايات القرن العشرين بهذا الفن الراقى ومنها واحدة من أشهر المجلات هى اللطائف المصورة والتى عرّفت نفسها فى صفحتها الأولى بأنها مجلة فكاهية أدبية علمية تاريخية تنشر صور الحوادث الجارية ومشاهير رجال العالم، وتصدر مرة فى الأسبوع لصاحبها إسكندر مكاريوس وكان قيمة الإشتراك فيها 50 قرشاً صاغاً سنوياً فى مصر. ........................................... وقد أفردت اللطائف الصفحات للرسامين فى محاولة للتحايل على الرقيب الإنجليزى وتسريب الأخبار عن الزعيم سعد زغلول بالإضافة لنقل مشاعر الناس تجاهه.. فنشرت فى عددها الصادر فى 29 يناير 1923 صورة مرسومة للملك الفرعونى الأشهر ( توت عنخ أمون ) - الذى كانت أخبار الكشف عن مقبرته بالأقصر مازالت طازجة - وهو يجلس داخل تابوته مكفهر الوجه ويصرخ فى وجه اللورد كارنارفون الإنجليزى ممول حملة هوارد كارتر الأثرية التى كشفت عن المقبرة قائلاً «فهم شعبك الذى يدعى المدنية أن مصر كانت ولا تزال عريقة فى المجد، منيعة الجانب، تحميها الآلهة وتثأر لها من الغزاة المستبدين، فاغسلوا الإهانة التى ألحقتموها بها، وأعيدوا اليها زعيمها الأكبر وإلا إستنزلت روحى ليحل عليكم السخط والنقمة الى الأبد» وفى الصورة يبدو اللورد مذعوراً من تهديد الملك الفرعونى له ولدولته، وعلقت المجلة بقولها: عاد من لندن جناب اللورد كانارفون الثرى الإنجليزى الذى صار الآن بفضل إكتشاف رجاله لمدفن توتنج أمون من مشاهير الرجال.. عاد جنابه من إنجلترا على جناح النعامة وأخذ يهتم مع جماعته بالإستعداد لفتح الحجرة الداخلية للمدفن التى يظن أن جثة الملك المحنطة مودعة فيها، فإذا دخل الغرفة ورفع غطاء الناووس الحجرى، فغطاء النعش الأول، فالنعش الثانى، إلا ينهض توت عنخ أمون ويصرخ فى وجهه صرخة تسمعها الأربعة أقطار المسكونة، تلك الصرخة ترددها روح أمون فى 14 مليون مصرى من ذريته فتبلغ أذان كارنارفون وقومه وهى لا تخرج عن معنى ما تراه فى هذه الصورة الرمزية التى فيها عبرة وذكرى لقوم يعقلون. وفى 9 إبريل 1923 نشرت المجلة رسم كاريكاتير يوضح رجلاً مصرياً أنيقاً يرتدى البذلة الرسمية والبابيون ويلبس طربوش ويرمز للوزارة الإبراهيمية ويحمل مفتاح التفاوض مع الإنجليز وأمامه سيدة جميلة ترتدى ملابس عصرية وترمز للأمة المصرية وتقول له لا أعرف يا عزيزى كيف أشكرك على إطلاق حريته فيجيب عليها لا شكر على واجب وفى جانب الصورة نرى سعد باشا زغلول وهو ينزل على سلم مكتوب عليه جبل طارق فى إشارة الى أنه عبر جبل طارق فى طريق العودة الى بلاده من المنفى وفى الصورة قطة سوداء ترمز للحزب المعارض للوزارة وهى مذعورة من عودة سعد باشا زغلول. كما نشرت المجلة صورة شديدة التعبيرية عن حال الأمة المصرية فى أثناء الاستعداد للانتخابات فى 21 مايو 1923 وضحت فيها جموع الشعب المصرى بكافة أطيافه من عمال ومشايخ وبدو وفلاحين وأفندية وهم يحملون بشكل رمزى إسم سعد زغلول وكتبت المجلة تعليقاً قالت فيه: فوجئت البلاد بالحركة الإنتخابية للبرلمان المصرى الأول لأن الدستور جاء فجأة فاصطدمت الأمة بغير استعداد بالانتخابات فكان على كل فرد أن يقيد إسمه فى قوائم الانتخابات وقد أذاعت الجرائد كيفية القيام بذلك ولكن الحكومة قصرت تقصيراً عظيماً فى تعليم الأهالى كيفية التقدم لهذه الانتخابات، وفى نظر اللطائف أن حركة الانتخابات سوف تسفر عن نتيجة واحدة، فالسواد الأعظم من الأمة سوف ينتخب المندوبين الذين سوف ينتخبون النواب الذين يؤيدون سعد ويرفعونه فوق رؤوسهم، فالانتخابات ستكون حركة هائلة لتأييد معالى الزعيم الجليل. وفى صورة أخرى بتاريخ 2 يوليو 1923 وهى صورة لإمرأة تعبر عن الأمة المصرية تقف على رصيف الميناء تستقبل أبطال مصر الخمسة الذين وضعت المجلة أسماءهم وصورهم على صدر صفحتها الأولى وقالت: نرحب بأبطال مصر الخمسة ونهنئهم على عودتهم، أبطال سيشل تلك الجزيرة القاحلة وقد عادوا منها الى مصر أمهم التى فتحت ذراعيها لتضمهم وهم صاحب السعادة فتح الله باشا بركات وصاحب العزة عاطف بك بركات وصاحب العزة سينوت بك حنا والأستاذ وليم مكرم عبيد وصاحب العزة مصطفى بك النحاس، وتابعت المجلة قائلة إن القوة صادرت هذا العناق ومنعت مظاهر العواطف والفرح والإبتهاج فإكتفى الناس برفع أعلامهم على منازلهم، وقد أبعدت القوة أبطال سيشل الذين خلدوا أسماءهم فى تاريخ نهضة مصر الى الأبد فى آخر ديسمبر 1921 لأسباب سياسية بعد أن قبضت على معالى الرئيس الجليل وهاهم الآن بعد الفراق الطويل يعودون أكثر نشاطاً وأشد حمية من قبل لم يدخل الى قلوبهم يأس ولم يتسرب الى نفوسهم قنوط ولم يتطرق الى أجسامهم وللحمد لله ضعف، لقد احتملوا لوعة البعد والفراق وشظف العيش وسوء المعاملة ورداءة الطقس وكل أنواع المشقات والأهوال فى سبيل الوطن وكانوا لزعيهم الجليل نعم الأنيس وخير جليس فليحيا أبطال سيشل وليحيا سعد باشا زغلول ولتحيا مصر بأبنائها العاملين. وهكذا صور الرسام مصر تقف فى استقبال الأبطال الخمسة فى الميناء وبينها وبينهم حاجز من الأسلحة بينما جلس الشرطى على حاجز حجرى يراقب هذا اللقاء وقد وضع سلاحه بجانبه ومصر تقول كم أنا أسفة لوجود هذا الحاجز وذلك الرقيب، إنهما يمنعانى بالقوة من معانقتهم وضمهم الى صدرى وإظهار شدة إشتياقى لهم..بينما يقول لها العائدون: لقد جمع الله شملنا، أقاموا بيننا وبينكم سداً من إرهاق ورقابة وتضييق، إن قلوبنا لتنفطر لأننا عدنا ولم يعد رئيسنا ووالدنا ورمز أمانينا …. فى إشارة الى عودتهم بدون سعد زغلول الذى لحق بهم بعد فترة. وهكذا نجحت الرسوم الكاريكاتيرية فى التعبير عن مشاعر المصريين تجاه سعد زغلول ورفاقه من فرح وخوف وقلق وحزن وسعادة وإستطاعت الخطوط البسيطة والرسوم المبهجة أن تتخطى الرقباء لتنقل للشعب كل تحركات الزعيم ورفاقه وتكون معهم فى كل خطوة خطوه فى منفاهم وحتى عادوا الى مصر.