إن تفشى ظاهرة التسول بهذا الشكل، وانتشارها إلى هذا المدى وزيادة استفحالها مع الزمن، رغم التشريعات المانِعة والرادِعة، ينطوى على عدة حقائق مؤسفة، أهمها أن عائدها جاذب لراغبى التسول ومُحَفِّز على استمرارهم، وأن المجتمع عاجز عن التصدى لهم، بكل أجهزته الرسمية وبنشاط مؤسساته المدنية ذات الصلة، كما أن البداهة تُسَلِّم بأنه لو لم يكن هناك من يدفعون للمتسولين لانتفت أهم عوامل بزوغ هذا السلوك من المنبع، بما يعنى عدم جدوى كل النشاط الإعلامى الكاشف لعمليات النصب التى يلجأ إليها كثير من المتسولين، بما يُفهَم منه أن دوافع ممولى التسول أقوي، كما أنه يؤكد أن وعيهم المحدود لا يدرك أنهم بالاستجابة للمتسولين يبذرون بذرة التقاعس عن العمل ووأد النواة الأولى للكرامة الإنسانية والاعتداد بالذات فى مد اليد بالسؤال، ودع عنك أن هذه الظاهرة تبدد جزءا من طاقة العمل فى المجتمع، وتساعد على استمراء حالة الكسب دون عمل..إلخ. انظر إلى الإجراءات الجادة من بعض أجهزة الدولة ضد الباعة الجائلين، وهى جهود مُقَدَّرة نأمل لها أن تستمر وتزداد، ولكن يجب الانتباه إلى أنه فى الجوار الملاصق لهؤلاء الباعة يفترش بعض المتسولين الرصيف دون أن يتعرض لهم أحد، بما قد يُشجِّع البائع الجائل على أن ينفض يده من عمليات البيع المحفوفة بالمخاطر وأن يتسول فى أمان مثل جاره، وليضمن دخلاً بلا جهد، وبلا خسائر إذا بارت السلعة. كما لا يمكن تجاهل شكوى بعض مكافحى التسول من أنهم يقومون بواجبهم بضبط المتسول متلبساً وصياغة محضر بالتكييف القانونى والملابسات والشهود وإحالته إلى النيابة التى لا تملك وفق القانون سوى أن تحرك دعوى ضده وتفرج عنه، ليخرج من سراى النيابة مباشرة إلى التسول وكأن كل هذا لم يكن، بل ويحدث أحياناً أن تبرئه المحكمة ليعود وقد استقوى قلبه أكثر! هذه بعض أعراض فشل الحكم عبر سنوات ممتدة، وعجز حكوماته المتعاقِبة ومؤسساته المدنية عن إدراك خطورة أن تسقط فئات من التكوين الاجتماعى الصحي، وأن تتشكَّل بهذه التشوهات التى علينا الآن علاجها. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب