من ضمن أبجديات صناعة السينما أن الفيلم الذى يتم بناؤه دون أي معايير أخلاقية أواجتماعية، اعتمادا على العاطفة، يكون مصيره الفشل فى تحقيق الغاية أو الهدف منه بالأساس، بل إنه يدفع أحيانا صناعة السينما نحو الحالة الكارثية، فالسينما أولا وقبل كل شىء نتاج تفاهم وليست تناقضا على غرار ما حدث تماما فى «فيلم 122» الذى ذهب نحو المزاج السيئ لما يسمى «سينما الرعب». لأن المخرج هو الشخص الذى يفرض أصغر التفاصيل، ويعطى الحافز الذى يسمح لصناعة العمل السينمائى بأن ينمو وينتشر، فإننى أحمل «ياسر الياسري» مخرج هذا الفيلم مسئولية تشويه صورة الأطباء فى رسالتهم الإنسانية التى تتسم بالرحمة والمسئولية عن حياة البشر، وكذلك صورة رجال الشرطة فى مهمتهم الوطنية التى تتطلب الحفاظ على أمن الوطن والمواطن. لقد انتابنى شعور بالغضب تجاه الرقابة على المصنفات الفنية فى مصر جراء سماحها بعرض هذا الفيلم الذى يغتال الإنسانية فى أحداث تتسم بالعنف وصناعة نوع من الرعب المقيت، الذى يخاصم أجواء مجتمعاتنا العربية بما تعرفه من قيم الرحمة والتسامح. الأسلوب البصرى الذى اتبعه المخرج فى «فيلم 122» أخضع فريق العمل لقوانين غامضة، حتى إنهم أصبحوا لايدركون ماذا يفعلون؟، فأحدثوا نوعا من الخرق لكل القيم والتقاليد السينمائية المتعارف عليها فى سياق أحداث مشوشة مخلوطة بخيوط أحلام واهية، تنم عن تعقيدات نفسية تحررت من وميض عيوننا للتو، بحيث يسمح لنا القدر بالعيش جنبا إلى جنب مع الموتى فى ظروف مبهمة وغير مفهومة على الإطلاق. والواقع إن صناعة السينما العظيمة وقيود وموانع الرقابة التى كان ينبغى عليها النظر بمسئولية فى هذا الفيلم قبل عرضه، كان ينبغى أن تبتعد عن المخاطر أو الكوارث التى تفضى إليها المشاهد غير المتقنة، من ناحية الشكل والمضمون والحوار الذى يخلو من أي قيمة، بحيث تترك تلك المشاهد انطباعا بالعنف، أو ذلك الرعب المصنوع على جناح السذاجة المتعمدة، دون احترافية مطلقة، كما روج لها صناع الفيلم الذى أراه فشل فشلا ذريعا فى توصيل رسالة تحمل جانبا ولو ضئيلا من القيمة التى خلقت من أجلها السينما. لقد روج القائمون على صناعة «فيلم 122» لفكرة أنه أول فيلم رعب مصري، لكن الواقع العملى يقول إن مصر لها باع طويل مع تلك النوعية من أفلام الرعب بدأت على نحو دقيق منذ ثمانينيات القرن الماضي، مثل أفلام «التعويذة - الإنس والجن»، وصولا إلى وقتنا الحالى من أفلام حديثة مثل «الفيل الأزرق»، الذى يجمع بين كونه فيلم إثارة وتشويق كونه يحمل فى طياته جانبا من الرعب، ومن ثم لايصبح هذا الفيلم سباقا فى صناعة سينما الرعب فى مصر على النحو الذى هلل له أصحابه قبل عرض الفيلم، فهو «فيلم هندى بامتياز»، إذ يجنح نحو تلك الأجواء الدموية التى اعتدناها على الطريقة الهندية، ناهيك عن التصوير المشوه للطبيب المصرى فى مخالفته للقسم الذى يتعهد به فى بداية عمله المهني، وكذلك الطريقة العجيبة التى ابتكروها لسرقة الأعضاء وهى طريقة ليس لها مثيل فى الواقع المصرى ولا غير المصري، وحتما ستزيد الطين بلة فى علاقة المريض بمقدمى الخدمة الطبية التى تم تدميرها من قبل الإعلام التجارى فى السنوات الأخيرة - على حد قول الدكتور عمرو بسطويسى فى تناوله لهذا الفيلم - مما أثر بالسلب على طريقة تفكير البسطاء من الناس. خطورة تشويه صورة الأطباء فى هذا الفيلم أنها ترسخ لفكرة أن من يقتل المرضى فى الواقع العملى ليس بالضرورة أن يكونوا أطباء منحرفين أو أسوياء محترفين، بل تؤكد أنهم فى الحقيقة يكونون مؤلفين ومخرجين سينمائيين ضلوا طريقهم، عندما خاضوا بشكل متعمد فى أمور العلم والطب بجهل، وفى النهاية سمح لهم خيالهم المريض بتفتق أذهانهم عن قصص تبعد عن الواقع الذى نعيشه اليوم، فقط هم ألقوا بها إلينا على شاشات السينما أفلاما ركيكة تهدف للتشويه ولا تعكس الرسالة الإنسانية للطب والأطباء، بل تدمر عقول العامة والبسطاء من أبناء هذا الشعب، ومن ثم فهى لا تستحق عناء الذهاب لمشاهدتها لمن يفقهون فى أمور أقدم مهنة على وجه البسيطة. لن أتحدث عن أداء أبطال الفيلم، فلم يقدم طارق لطفى جديدا فى الأداء الذى اعتدناه منه على الشاشة الصغيرة طوال السنوات القليلة الماضية كبطل مطلق امتاز بالأداء الاحترافى لكل ألوان التراجيديا والأكشن، ولذا نجح بدرجة كبيرة فى تجسيد شخصية الطبيب المدمن المتعطش للدماء، وكذلك الحال مع «أحمد داود» الذى يسجل صعودا مميزا من عام إلى آخر فى الدراما التليفزيونية الجادة التى توجه أكثر فى هذا الفيلم، إلا أننى أجد أداء مترهلا وساذجا، وغير اندماجى لأمينة خليل فى تجربة تشهد لها بتراجع المستوي، لكنى حتما سأقف طويلا أمام عنوان الفيلم وهو «122»، الذى يشير إلى رقم شرطة النجدة فى مصر، فقد استخدمه المؤلف والمخرج ليعطيا لنا الإحساس بطريقة مريبة بعجز الشرطة طوال الفيلم عن أداء دورها، فى وقت يبذل فيه رجال الشرطة جهودا مضنية ويضحون بأرواحهم وتسيل دماؤهم يوميا فى سبيل الدفاع عن هذا الوطن. وفى الختام يمكننى القول إن «فيلم 122» نجح إلى حد كبير فى استكمال مسلسل تدمير سمعة الطب المصرى وتشويه صورة الطبيب المصرى، وكذلك نجح ببراعة فى نسف سمعة الإسعاف والشرطة، ناهيك عن العبث بعقول منعدمى الثقافة وجرهم نحو هاوية الرعب المصنوع بطريقة مرتبكة، ويبقى الأخطر أنه أطلق «رصاصة الرحمة» على السياحة العلاجية، ولا عزاء لأبناء مهنة الطب الجليلة .