فجأة ودون خطوات تمهيدية، عرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية مكافأة ماليّة قدرها مليون دولار لمن يزوّدها بمعلومات تقود إلي القبض علي حمزة بن لادن، نجل مؤسّس تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن وأحد «القياديين الأساسيين» في التنظيم. فلماذا عاد اسم «بن لادن» للواجهة؟ وهل هناك تحولات علي الأرض تشير إلي أن تنظيم »القاعدة« بصدد العودة إلي السطح مع اضمحلال تنظيم «داعش» وتفكك شبكته وتفرق عناصره؟. ولماذا تتخوف أمريكا والغرب عموماً من «القاعدة» الآن بعد دخول التنظيم في حالة «بيات شتوي» خلال السنوات القليلة الماضية؟. ربما أكثر ما يخيف الاستخبارات الغربية هو ما تعلمه تنظيم «القاعدة» من تجربة »داعش« خلال السنوات الماضية، والدور الذي لعبه حمزة بن لادن للاستفادة من أخطاء «داعش» عبر النأي ب «القاعدة» عن أساليب «داعش»، وفي نفس الوقت ترك الباب مفتوحاً ل«داعش» وعناصره بالعودة ل«التنظيم الأم» بعد انهيار دولة الخلافة المزعومة التي شكلت نقطة الخلاف الرئيسة بين «داعش» و«القاعدة». بناء تحالفات بعيدا عن الرادار فمع تركيز كل الاهتمام الدولي علي »داعش« خلال السنوات الماضية استطاع تنظيم «القاعدة» اعادة تجميع صفوفه وموارده، بحسب الكثير من الاستخبارات الغربية. وقد تمكن تنظيم »القاعدة« من تعزيز وجوده علي الأرض، خصوصاً في دول تعاني تحللا للدولة المركزية وفوضي وحروبا داخلية مثل اليمن، والصومال وتشاد ومالي والنيجر. فخلال السنوات الماضية وبعيدا عن الرادار، استطاع تنظيم «القاعدة» أن ينشط في تلك المناطق ويعزز شبكة علاقاته، خاصة في اليمن والصومال وتشاد، عبر وكلاء محليين من عناصر قبلية في الأغلب يدينون بالولاء لإيديولوجية التنظيم وتربطهم مصالح مشتركة علي الأرض في مناطق تأكلها الحروب. وهناك تقديرات استخباراتية غربية بأن تنظيم «القاعدة» عزز بالفعل شبكات دعم وتحالفات مصلحية -أيديولوجية في مناطق كان التنظيم قويا فيها في الماضي تحت قيادة أسامة بن لادن، خاصة في المناطق القبلية في اليمن والنيجر والصومال. وتتركز المخاوف الغربية من أنه إذا تركت هذه العلاقات تنمو فإنها ستصبح خارج السيطرة وستشكل مصدرا فادحا للخطر. فعلي الأرض في اليمن مثلاً من الصعب التفريق بين عناصر «القاعدة» المنضمين للتنظيم وبين الأنصار علي الأرض من غير المنتمين للتنظيم بالضرورة. وهذا ما يجعل ملاحقة التنظيم والقضاء عليه أكثر صعوبة. ووسط كل هذا يلعب حمزة بن لادن دورا بارزا، وتتخوف الاستخبارات الغربية من أن دوره قد يصبح أكبر وأكثر خطورة في المستقبل. فهو لديه علي الأقل ثلاث مواصفات قد ترفعه علي رأس التنظيم. أولاً، لديه «الاسم». فاسم »بن لادن« ما زال قادرا علي تجنيد كثير من المتطرفين حول العالم. وبرغم الخلافات بين «القاعدة» و»داعش« فيما يتعلق بمبدأ اعلان الخلافة، والنزاع العلني المعروف بين زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بهذا الصدد، فإن عناصر «داعش» تدين بالولاء لأسامة بن لادن، وهو ولاء قد ينتقل لابنه. ومع انهيار «داعش» وهروب الآلاف من المتطرفين الذين حاربوا في صفوفه، تتخوف الاستخبارات الغربية من أن هؤلاء قد يجدون في شبكات »القاعدة« في الصومال واليمن ومالي والنيجر البديل عن «داعش». ولا يعتمد حمزة بن لادن علي الاسم فقط، بل علاقات المصاهرة مع عناصر بارزة داخل التنظيم. فقد تزوج حمزة بن لادن عام 2005 من مريم عبد الله أحمد عبد الله، ابنة أبو محمد المصري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» ونائب أيمن الظواهري وأحد مخططي تفجير السفارات الأمريكية في دار السلام بتنزانيا ونيروبي في كينيا عام 1998. كما تزوج حمزة مؤخرا من ابنة محمد عطا أحد مدبري هجمات 11 سبتمبر، وفق ما أفادت به صحيفة «الجارديان» في اغسطس 2018 نقلاً عن أحمد وحسن العطاس، الأخوين غير الشقيقين لابن لادن. وكذلك عن والدة «بن لادن»، عليا غانم. وأشار محللون إلي أن هذه الزيجة تؤكد أن »المرتبطين« بهجمات 11 سبتمبر ما زالوا يشكلون المحور الرئيسي في قيادة »القاعدة«. مع تولي أيمن الظواهري قيادة التنظيم، يُرجح أن حمزة أصبح هو الرجل الثاني وربما يكون بصدد إعلانه زعيماً للتنظيم. فأيمن الظواهري لم يعد يلعب دورا بارزا، ولم ينشر الكثير من الرسائل مؤخرا، وغير نشط اعلاميا إلي حد كبير، كما أن متاعبه الصحية تلعب دورا في تهميش قيادته علي رأس التنظيم. وكان الجهاز الدعائي ل»القاعدة« قدّم حمزة «بن لادن» للمرة الأولي عام 2015، بصفته عضوا في التنظيم. ونُشر تسجيل صوتي له دعا فيه إلي شن هجمات ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها. ثم ظهر مرة أخري في يوليو 2016، في خطاب صوتي بعنوان «كلنا أسامة»، توعد فيه الولاياتالمتحدة بالانتقام لمقتل والده في غارة جوية أمريكية علي مجمع سكني في بلدة أبوت آباد في باكستان عام 2011. قال فيه: «سنواصل ضرباتنا واستهدافنا لكم في بلادكم وفي الخارج». أيضاً أصدر رسائل صوتية دعا فيها المقاتلين المتطرفين في سوريا إلي التوحّد، قائلاً إن القتال في سوريا يمهّد الطريق «لتحرير فلسطين». وبحسب بعض التقديرات فإن حمزة بن لادن يقود «جماعة أنصار الفرقان» التي جندت مقاتلين كانوا في سوريا يحاربون إلي جانب «داعش». خطوة لا تخلو من خطورة إعلان أمريكا مليون دولار مكافأة لمن يدلي بأي معلومات عن حمزة بن لادن، يشير إلي أن الاستخبارات الغربية تري في «القاعدة» الخطر الأكبر برغم الانشغال الحالي ب«داعش». كما يشير إلي أن الاستخبارات الأمريكية تعتقد أن حمزة بن لادن بات ذا ثقل في «القاعدة»، وان التحرك المسبق لاعتقاله أو قتله قد يكون أنسب الخيارات. ففي نوفمبر 2017 اصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي اي ايه» مئات الملفات الخاصة بأسامة بن لادن يتضمن أحدها رغبته في ان يخلفه حمزة علي رأس «القاعدة». لكن وضع مليون دولار علي رأس حمزة بن لادن خطوة لا تخلو من خطورة، لأنها تجعله فجأة شخصا ذا ثقل أكبر ومعروف دوليا، لأنه مطلوب دولياً. ومجرد رغبة أمريكا في اعتقاله ترفع من أسهمه وشأنه داخل التنظيم ووسط الجماعات المتطرفة والراديكالية حول العالم، وهذا بحد ذاته خطر. لقد كان مكان وجود حمزة بن لادن، 30 عاماً، الذي يلقّب أحياناً ب «ولي عهد الجهاد» محطّ تخمينات لسنوات. ويُعتقد أنه موجود في منطقة ما في باكستان علي الحدود مع أفغانستان. ولدي أمريكا مصادر وموارد وأشخاص علي الأرض وعلاقات مع الاستخبارات الباكستانية قد تساعد في تحديد مكان «بن لادن» قبل أن يتجه إلي منطقة اخري مثل اليمن أو الصومال وهي مناطق تشهد انتعاشا لتنظيم «القاعدة». ويبدو توقيت الخطوة الأمريكية لافتا، فهل تريد واشنطن التحرك بسرعة لمنعه من المغادرة؟ وهل لديها معلومات أنه يعتزم الانتقال ونقل العمليات معه إلي منطقة أخري يصعب علي أمريكا العثور عليه فيها؟. مع خسارة «داعش» أكثر من 99% من الأراضي التي كانت بحوزته، تعود الأنظار ل«القاعدة». لكن حمزة بن لادن سيكون بالطبع قد شاهد طريقة عمل «داعش» وتعلم منها. وربما يكون لديه خطط للتحرك بشكل مختلف عن «داعش» وعن والده أيضاً بسبب فارق الزمن والعمر، وهذا سيكون صعباً علي الاستخبارات الغربية.