يَمرّ العالم الحديث بتجارب غير مسبوقة، مع تعقيدات الحياة وتطور العلوم وقفزة التكنولوجيا وثورة التطلعات ومعجزات وسائل النقل والانتقال والاتصال والتواصل..إلخ، مع إدراك أن هذا بداية لتطورات أكثر. لذلك، وكما زادت أهمية تطوير المهارات بعلم أفضل وتدريب مستمر، فقد وجب الحرص على وضع نظم تضبط آثار هذه التدفقات المتسارعة. ومن هذا مهمة مخاطبة الرأى العام التى كانت مقصورة قبل الطفرات الأخيرة على من درسوا علوم التواصل مع الأفراد والجماهير وتحصلوا على تدريب بعد التخرج، وعرفوا الأسس العلمية لفنون الإقناع، وتعلموا جزاء انتهاك الضوابط المانعة والرادعة التى تحمى الغير من أى إساءة يمكن أن يؤدى إليها النشر أو البث الإذاعى أو التليفزيونى. وبرغم الانتقادات الكثيرة لهذا الأداء الاحترافى، وكثير منه انتقاد موضوعى صحيح يبغى المصلحة العامة، فإن المستجدات الحديثة أتاحت فرصاً لم تكن هنالك أى إمكانية لظهورها فيما مضى، وذلك عبر شبكة الإنترنت التى منحت منبراً لأى شخص، بلا أى شروط، وفى ظل هذه الفوضى عَلَت نداءات تنادى بأن تكون حرية التعبير مُطلَقة! ومن الأفضل مع هذه الدعوة أن تتغاضى عن صفة (مطلقة)، التى لا تعرفها أكثر المجتمعات حماية لحرية التعبير، وتفادياً للتورط فى كلام يطول ويبعدك عن الأهم، وهو أن معظم هؤلاء لا يطيقون أن يختلف معهم أحد فى الرأى، حتى فى حدود صفحات التواصل الاجتماعى! وقد يصل بهم الأمر إلى توبيخ من له رأى مخالف، والتطاول على شخصه بدلاً من مناقشة رأيه، وقد صار مألوفاً أن ينتهى التشكيك فى علم ونزاهة صاحب الرأى الآخر إلى عمل (بلوك) بما يدمر جوهر الحرية المطلقة المزعومة!. وفى الوقت الذى ينفلت فيه المنادون بالحرية المطلقة ويجيزون لأنفسهم أن يتبنوا خطابات الكراهية والحضّ على العنف وأن يرتكبوا جرائم السبّ والقذف..إلخ، ويطالبون بأن يحميهم القانون من المساءلة، فإنهم، يؤيدون أو يصمتون، وهم يرون أصحاب الآراء الأخرى مهددين بالخضوع للمحاكمة لممارستهم حرية التعبير فيما لا يُجرِّمه القانون، حتى إذا كان به سذاجة أو شطط أو خروج عن المألوف!. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب