من الموضوعات المهمة التي تثار بين الحين والآخر القطاع العام وقطاع الاعمال العام، ومايتعرضا، له من مشكلات وصعوبات، علي الرغم من أهميتهما القصوي في العملية التنموية، التي ينبغي ان تحظى بالاهتمام باعتبارها المنفذ الرئيسي لإرساء قواعد الإنتاج وتعظيم القدرات التصديرية للبلاد، ولذلك يجب ان تأتي على رأس الأولويات كعنصر حاكم لبناء اقتصاد قوى وقادر على المنافسة فى ظل الظروف الدولية. خاصة ان التنمية الاقتصادية التي ننشدها لن تتحقق إلا من خلال وجود قطاع إنتاجي قوى وقادر على الخروج بمنتجاته الى الأسواق العالمية. ويتكون قطاع الأعمال العام والقطاع العام من ثلاث مجموعات أولاها الشركات الخاضعة للقانون 97 لسنة 1983 وعددها 43 شركة، معظمها تابع للهيئات الاقتصادية وبعض الوزارات، وثانيتها الشركات الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها 21 شركة قابضة منها 8 شركات قابضة، تعمل تحت مظلة وزارة قطاع الاعمال العام، يتبعها عدد 119 شركة، وذلك بخلاف عدد 5 شركات صدرت لها أحكام قضاء إداري بالعودة للوزارة، و13 شركة قابضة تتبع وزارات مختلفة مثل الطيران والبترول والنقل والتموين والري والزراعة الخ، وثالثتها شركات عامة خاضعة للقانون رقم 159 لسنة 1981. ورغم ان بعض هذه الشركات تحقق أرباحا إلا ان معظمها يحقق خسائر مستمرة، ولذلك تتولي الخزانة العامة سداد الالتزامات المستحقة عليها، خاصة الأجور ناهيك عن الإعانات والمساهمات التي تقدم اليها، حيث قامت بإتاحة نحو 31 مليار جنيه خلال العام المالي 2016/2017 كما تعاني هذه الشركات مشكلات عديدة يمكننا إجمالها في تقادم وتهالك المعدات والآلات بها نتيجة عدم ضخ أى استثمارات جديدة في هذه الشركات منذ عشرات السنين. وازدادت المديونية المستحقة عليها وزاد السحب على المكشوف من البنوك وتدهورت الآلات والمعدات مع تفاقم مشكلة العمالة الزائدة بالقطاع، مع عدم قدرتها على تصريف منتجاتها نتيجة لعدّة أسباب، يأتي على رأسها اتساع نطاق التهريب في الأسواق المصرية وًالسياسات الجمركية الخاطئة، ولهذا ارتفعت قيمة المخزون من الإنتاج التام. ولذلك لم تتمكن هذه الشركات من سداد التزاماتها للجهاز المصرفي وكذلك للجهات السيادية، هذا بالإضافة إلى دين بنك الاستثمار القومي. من هذا المنطلق ينبغي العمل علي إصلاح القطاع العام بشقيه، وتتمثل نقطة البداية فى الاعتراف بأن هناك حدودا قصوى لهذا القطاع لايمكن تخطيها، خاصة ان حجم هذا القطاع قد تجاوز تلك الحدود، وان ثمة حاجة ملحة إلى إعادة النظر فيه بما يتماشى مع الاحتياجات الحقيقية للتنمية وفى ضوء الإمكانات الادارية والمالية المتاحة. وهذا مايتطلب الانخراط فى الاعمال والأنشطة الاقتصادية الاساسية وترك الباقى للقطاع الخاص، وكما ذكر الاقتصادى الشهير كينز أن الشىء المهم بالنسبة للحكومات ليس هو أن تقوم بالأشياء التى يقوم بها الأفراد بالفعل، وان تقوم بها على نحو افضل قليلا او أسوأ قليلا، بل هو القيام بالأعمال التى لايقوم بها هذا القطاع على الإطلاق. إذ ينبغي ان تركز الإصلاحات على تنشيط النمو جنبا الي جنب مع الكفاءة، وبالتالي يجب التركيز علي كفاءة استخدام الموارد مع توسيع القدرة علي النمو. في هذا السياق تأتى سياسة إدارة الأصول المملوكة للدولة في المرحلة المقبلة، والتى يجب ان تقوم على توجهين أساسيين، يتمثل الأول في الحفاظ علي حقوق العمال، والثاني الحفاظ علي المال العام المستثمر في هذه الشركات. لذا يجب إعادة صياغة الإطار العام والأهداف الحاكمة علي النحو الذي يخدم المصلحة الوطنية ويصون المال العام، علي ان يتم ذلك من خلال رؤية شاملة ووافية لمحفظة الاستثمارات الحكومية تركز علي استهداف الكفاءة في إدارة الأصول المملوكة للدولة. وهنا نري من الضروري العمل علي إصلاح الإطار التشريعي الناظم لهذه الشركات عن طريق دمج القانون رقم 203 لسنة 1991 مع القانون رقم 97 لسنة 1983 بحيث يصبح القانون الحاكم لهذه الشركات قانونا واحدا فقط، خاصة بعد ان فقد القانون 203 مبررات وجوده ولم يحقق الأهداف المرجوة منه، بل وأدي إلي وضع ملتبس وتشتت القطاع العام بصورة كبيرة أثرت علي الأداء، الامر الذي يتطلب بالضرورة إعادة النظر كاملة في الأطر التشريعية الناظمة له، ووضعها تحت مظلة واحدة وهي وزارة الصناعة، بحيث نعيد الاعتبار مرة أخري للصناعة المصرية ليتم البدء فى عمل التطوير المؤسسي والإدارى الملائم. خاصة بعد ان فقدت وزارة قطاع الأعمال مبررات وجودها، ولتلافى السلبيات التي حدثت منذ عام 1991 وحتي الآن. وهو ما يساعد علي سرعة اتخاذ القرارات الخاصة ببرامج التطوير والهيكلة والتحديث والدمج لإيجاد كيانات أكبر لها قدرة أفضل على المنافسة متى أمكن ذلك، وتفادى منافسة الشركات بعضها البعض قدر الإمكان. هذا فضلا عن ضرورة العمل علي حسن استخدام الأصول المملوكة لهذه الشركات والاستفادة من الثروة العقارية المملوكة لها، وذلك بهدف سداد المديونيات التاريخية وتوفير التمويل اللازم لمشروعات التطوير والتحديث، مع ضرورة التاكيد أن تعمل هذه الشركات وفقا لقواعد الكفاءة والمحاسبة والجودة المتعارف عليها محلياً ودولياً، مع الأخذ بالحسبان انها تنقسم من حيث إمكانية الاستمرارية إلى شركات قابلة للاستمرار بمفردها، وشركات قابلة للاستمرار بدمجها مع أخرى، وشركات يجب التخلّص منها بالبيع. وفيما يتعلق بالنوعية الأخيرة يجب أن تتم عمليه البيع بمنهج يتسم بالشفافية والوضوح وبمشاركة جادة ومسئولة من أجهزة الإعلام المختلفة في جميع مراحل وإجراءات التقييم والبيع، ووضع إطار موحد لعمليات البيع بما يحفظ للدولة كامل حقوقها. كما يجب التخلص من المال العام فى الشركات المشتركة. والعمل علي إعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن الإنتاج او تلك التي تعمل بأقل من طاقاتها الإنتاجية. وهو ما يتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات للشركات الواعدة، شريطة أن يتم ذلك وفقاً لدراسات جدوى علمية تقوم بدراسة هذه الشركات ووضع جدول زمني للاستثمارات المطلوبة لإنفاذها، وجعلها تدخل في دائرة الإنتاج من جديد، مع التركيز على الشركات الموجودة بالصعيد. والعمل علي تعميق التصنيع المحلى عن طريق وضع خطط قطاعية لتحديد الصناعات التي يمكن اضافة مراحل جديدة لعملية الإنتاج الحالية بها، مثل صناعة الحديد والصلب وصناعة الغزل والنسيج والملابس وكذلك البتروكيماويات. لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى