يستكين الإخوان، ومعهم عدد من المثقفين من خارجهم، ومعهم الإعلام المعادى، إلى توقع يريحهم، وهو أن هناك موجة ثورية تلقائية قادمة سوف تقلب لهم الأوضاع إلى ما يأملون فيه، ويدعمون توقعهم بعامل واحد هو ارتفاع الأسعار! برغم الحقيقة التى يحفظها التلاميذ الصغار التى تقول إن الثورات والانتفاضات، فى العالم وعبر التاريخ، لا تأخذ شكلها وصفتها إلا بمشاركة الجماهير التى لا تنطلق من عامل واحد وإنما بتداخل عوامل عديدة مركبة من مصادر شتى. وأما ما ينسف تحليلهم من أصله، فهو أن هذا العامل الوحيد الذى يعتمدون عليه لم يحرك الجماهير المصرية ضد عبد الناصر بعد هزيمة 67، برغم أنهم كانوا يعيشون ظروفاً معيشية أسوأ مئات المرات، بل إن غضب الجماهير آنذاك كان من أجل ما اعتبروه تقاعساً فى تحرير سيناءالمحتلة، وهم يعلمون أن هذه الحرب التى يطالبون بها تزيد صعوبة معيشتهم، وكان غضب الجماهير المدوى، من الطلبة والعمال، لأن الدولة لا تستجيب لطلبهم بالتطوع للقتال على الجبهة، أى إنهم يطالبون بأعباء أخرى لا تفرضها الدولة عليهم..إلخ. ولكن يبدو أن هذه الحقيقة على وضوحها تستعصى على فهم هؤلاء!! وأما هذه الفئة من المثقفين المشاركين فى هذه الأوهام، فهم غير قادرين على أن يتجاوزوا حدود عالم الأفكار، مما يجعلهم فى بعض الأحيان، وبافتراض صحة الفكرة، بعيدين عن تصور التجليات الموضوعية لها فى الواقع. مثلاً، فإن واقع اضطرابات الأمن لديهم هو فقط هذه المظاهر التى يشاهدونها، دون أن يتعمقوا لمعرفة تفاصيلها الدقيقة على الأرض فى حياة الناس! وقد مرت مصر بتجربة ضخمة، عقب ثورة 25 يناير، أتاحت مادة موضوعية كافية لمن يرغب فى الفهم واستخلاص الدروس المفيدة التى تجعله أقرب إلى الواقع. ولنأخذ البلطجة التى استفحلت وتركت ذكريات أليمة لدى قطاعات شعبية عريضة اعتبروها جزءاً أصيلاً من الحركة الثورية، واقتنعوا أن مشاركتهم فى الثورة تسببت فى معاناتهم من البلطجة وتوابعها، ولم يسع من يعيشون على أمل مشاركة الجماهير مجدداً أن يغيروا لديهم هذا الفهم! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب