كثيرا ما يبحث من أدمن الشعور بالاضطهاد فى دفاتره القديمة عن أدوات للمساومة والحصول على تعويض عما فقده فى الماضى.. وهذا ما اعتادت عليه إسرائيل مع اختلاف حكوماتها المتعاقبة..وآخر مشهد يجسد هذا النهج الإسرائيلى كان طرف الصراع فيه هو بولندا، بعد أن قرر البرلمان فى وارسو إلغاء المحاكمة الجنائية لأى اتهام حول التورط فى جرائم «الهولوكوست» أثناء الحرب العالمية الثانية، أو حتى وصم الشعب البولندى ب «عار» محرقة النازية التى راح ضحيتها أكثر من 6 ملايين يهودى. وحاولت بولندا الفكاك من الحصار الإسرائيلى الأمر الذى ترك بصماته على العلاقات الدبلوماسية بين وارسو وتل أبيب لتنحدر نحو التدهور مؤخرا، بعد تصريحات وزير الخارجيّة الإسرائيلى بالوكالة، إسرائيل كاتس، التى وصف فيها البولنديين بأنهم «رضعوا معاداة السامية مع حليب أمهاتهم»، واتهمهم بالتعاون مع النازيين لإبادة اليهود من العالم.. ولم تجد الحكومة البولندية ردا شافيا على هذه التصريحات «العنصرية» سوى استدعاء السفيرة الإسرائيلية فى وارسو والانسحاب من قمة «فيشجراد 4» المقررة فى القدسالمحتلة. واندلعت حرب إعلامية بين الجانبين، على نحو ينذر بتصعيد الأمور، حيث تراهن بولندا على ورقة وضعها السياسى فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» وكونها محورا للتفاهم والتنسيق العسكرى والدولى بين الولاياتالمتحدة ودول أوروبا لتسوية أى خلافات أو نزاعات قديمة.. ومن ثم تلوح بعلاقاتها فى وجه إسرائيل وبما يهدد مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية مع أوروبا بأسرها، بينما يمارس صقور تل أبيب هوايتهم المفضلة فى استقطاب الحماية الأمريكية وحشد «اللوبى اليهودي» فى دول بعض «معسكرات الغرب». وهو ما يفسر إسراع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لإعلان تعهده بفرض عقوبات على أى مسيرات أو مظاهر تكرس ل «معاداة السامية» إرضاء للحكومة الإسرائيلية. ومع تعنت كل طرف وتشبثه بموقفه، يصعب حسم المعركة حاليا لمصلحة أى منهما، غير أن المؤكد هو استمرار السياسة الإسرائيلية الماكرة فى خنق خصوم الماضى بدائرة «الابتزاز» للخروج بأكبر المكاسب على كل المستويات.. ومن يفتقد القدرة على الصمود والمقاومة.. يرتضى «التنازلات» ويتحمل الخسارة النهائية!.