قديما ذات نهار، تحديدا يوم 23 يوليو 1940 لفظت أمواج بحر الإسكندرية العاتية جثة منتفخة لرجل وفى جيبه رسالة توصى بأنه لا يريد أن يدفن فى مقابر المسلمين إنما يريد إحراق جثته.. إنه إسماعيل أدهم ذلك الشخص الذى أعلن إلحاده عام 1937 دون خجل بعد حياة متخبطة بين أب مسلم متشدد، أجبره على حفظ القرآن وهو فى الحادية عشرة وام مسيحية وبعد أن سافر إلى روسيا لاستكمال دراسته فى الرياضيات عاد إلى القاهرة ليكتب رسائل «لماذا أنا ملحد» ورد عليه أحمد أبوشادى برسالة لماذا أنا مؤمن ثم محمد فريد وجدى برسالة لماذا هو ملحد، وانتهت هذه الهوجة بانتحار اسماعيل». وفى السبعينيات قطع الدكتور مصطفى محمود كل الشكوك بكل يقين فى وجود الله الواحد الأحد من خلال كتابه حوار مع صديقى الملحد ورحلتى من الشك الى اليقين. بينما انتشرت أخيرا على الفيس بوك منشورات تشجب وتندد بإلحاد شادى مما أثار فضولى لمعرفة هذا الشخص وتتبعت حسابه لأجد أنه من أغنياء الحرب الإلكترونية، مجرد شاب أشتهر عقب الثورة التكنولوجية والينايرية وراح ينشر مقاطع فيديو كوميدية قصيرة منذ 2013 وتدريجيا أسس لقناة على اليوتيوب ليصبح الأكثر مشاهدة ويصل مشتركو القناة الى 3.6 مليون لعام 2018 وفقا لموقع سوشيال بلاد ووصلت أرباحه الى 983.7 ألف دولار أمريكى! ثم نشر فيديو أخير بأنه سوف يختفى نتيجة الانتقادات التى تلقاها إثر فشله سينمائيا ونشره صورا مع فتيات غانيات، ولم يعره أحد اهتماماً بل راحوا يسخرون منه الى أن أعلن إلحاده! والواضح أن هذا الشاب العشرينى لا يعرف أصلا ما هو الإلحاد؟ بل قرر أن يثير الجدل بطريقة شاذة فكريا كنوع من ترويج البزنيس الخاص بالمشاهدات والمشاركات والتريند، وهذا لا يمنع من أن ننتبه للعوار الأساسى فى هذه الظاهرة، فهذا الشخص مؤثر فى نسبة كبيرة من الشباب الصغار السن كمثيله من بعض الشخصيات الأكثر تأثيرا فى السوشيال ميديا والذين تحولوا بقدرة قادر الى قادة رأى، بينما تحول نجوم الفضائيات الى موضة قديمة لا يتابعها الا كبار السن وهذا يتطلب منا الوقوف بجدية علمية مدروسة على الجيل الجديد المؤثر فى تشكيل الوعى ولا داعى لتلك الملايين المهدرة على الإعلاميين القدامى، فضلا عن ضرورة التركيز على التربية الدينية السليمة التى نضبت مصادرها أخيرا مع ظهور التعليم الإنترناشونال وتقلصت الديانة على شهادة الميلاد أو البطاقة فيكبر الطفل وهو على دين ابيه دون أن يعرف بعمق مناحى وأسس دينه وانصرف الآباء عن زرع القيم السليمة لدى أولادهم، بحثا عن توفير المال اللازم لحياة أفضل تتلخص فى التعليم والطعام دون العقول فأصبحت التربية أشبه ما تكون بالصورية وتحول المنزل الى حظيرة شيك وتبعثر أفراد الأسرة وتشتت عقولهم فى العوالم الافتراضية، بالإضافة الى تطوير الخطاب الدينى الذى لم يعد قادرا على مواجهة الحداثة الراهنة.. ومازلنا نحارب جنود المالتى ميديا بالسيوف والنبال؟ لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز