فى كل جريمة، هناك من يخطط، وهناك من ينفذ، وهناك من يحوم حول مكان الجريمة، ويفضح الجميع! وما يكتبه ويتناقله الإعلام الأجنبى فى لندن أو واشنطن أو نيويورك أو حتى باريس وبرلين، ليس ببعيد أبدا عما حدث ويحدث من إرهاب فى ربوع مصر، ولا المنطقة بطبيعة الحال، ويؤكد بالدليل الدامغ أن العملية الإرهابية التى تقع فى شمال سيناء مثلا ليست سوى مرحلة وسطى من مراحل متعددة لجريمة متكاملة الأركان. قبل أن تنطلق الرصاصات إلى صدور جنودنا، يكون التمهيد والتحريض قد بدأ على صفحات الجرائد، عبر سلسلة مقالات أو تقارير تحرض على العنف وتبرره، وتروج لهدم الدول والمؤسسات، وتدافع بوقاحة عن فكرة تحول المواطن العادى إلى «إرهابي» بدعوى أن هذه نتيجة طبيعية ل«القمع». وبعد أن يسقط الشهداء، تبدأ مرحلة الدفاع والمظلومية عبر الصحف نفسها، والمنظمات الحقوقية، بداية من أكاذيب عن ضرب مدنيين وتهجير سكان، ومرورا بالحديث عن محاكمات غير عادلة، ومداهمات وحشية، واعتقال أبرياء وأنقياء، وأحكام قضائية «دراكولية»، مع تقارير إخفاء الإنجازات والتشكيك فيها، وتضخيم السلبيات وتهويلها، بهدف ترسيخ كذبة أن المواطن المصرى العادى يعيش فى دولة فاشلة، وأنه معرض للقبض عليه فى أى وقت وهو يسير فى الشارع! إذن، المرحلة الأولى، هى مرحلة توفير الأرضية الخصبة للإرهاب، وسرد مبرراته، وتهيئة الأجواء له، وتقبله باعتباره عملا دفاعيا ضد الظلم والقهر، ومعروف من يقوم بها، والمرحلة الثانية، هى مرحلة إراقة الدماء، وأيضا معروف من يقوم بها، أما المرحلة الثالثة، فهى مرحلة توفير منصة عالمية قوية للدعم الإعلامى والقانونى والقضائى والمعنوى لهذا الإرهاب، ومن وراءه، ومن أيده، لغل يد الدولة المصرية عن الأخذ بالثأر، ولمنعها من محاكمة القتلة «بما يرضى الله»، أو ربما لتخفيف الأحكام فى مراحل لاحقة، وأيضا معروف من المسئولون عن أصحاب هذه «المنصة» التى تعد ركنا رئيسيا من أركان الجريمة. قبل أسبوع تقريبا، وتحديدا يوم 11 فبراير الحالي، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا طويلا عريضا كتبه القيادى الإخوانى السابق عمرو دراج يحرض فيه أوروبا صراحة على عدم التعاون مع مصر فى ظل وجود السيسى فى الحكم. وبعدها بأيام قليلة، وتحديدا بتاريخ 14 فبراير، نشرت الجارديان أيضا مقالا ثانيا كتبه شخص يدعى يوسف فراج من جامعة «كوين مارى» بلندن يطرح فيه رؤية مختلفة عما قاله دراج، فهو لا يرى أملا فى محاولة تأليب أوروبا على السيسي، وإنما يرى الحل الوحيد تشكيل «حركة شعبية محلية» داخل مصر تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب فى الحكم! دراج فى مقاله سعى إلى «شيطنة» مصر أمام أوروبا، فقال بالحرف الواحد إنه لو استمرت «وحشية» النظام المصري، فستكون العواقب وخيمة على أوروبا. وفراج ذكر فى مقاله ضمنا أن دعوة أوروبا للديمقراطية فى مصر لن تجدى نفعا لأن المصريين سيقاومون فكرة التغيير القادمة من الغرب، ولهذا، فالحل الوحيد يجب أن يأتى من الداخل، فيقول: «ربما سيكون مناسبا أكثر الدعوة لحركة منظمة تتحدى فشل ووحشية النظام الحالي» .. منتهى النباهة ما شاء الله! ومن «دراج» إلى «فراج»، يا قلب لا تحزن، ولكن، أن يتزامن هذان المقالان مع تقرير مريب نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية كتبه صحفى زار العاصمة الإدارية الجديدة، ولم ير فيها أى إنجاز سوى أنها صممت خصيصا لتكون بعيدة عن «الثورة المحتملة»، فهذا هو «حزن الحزن» كما يقولون فى الريف عندنا! وأن يتزامن مقال الجارديان وتقرير الإندبندنت أيضا مع التصريحات الوقحة المنسوبة إلى آن باترسون سفيرة أمريكا السابقة لدى مصر عن الطريقة الأمثل لحدوث التغيير فى مصر من وجهة نظرها البائسة، فهذا يجعل حزننا يتحول سريعا إلى ضحكات ساخرة، لما هو معلوم من الخيبة «التقيلة» التى تشعر بها «الست آن» حتى يومنا هذا جراء فشل مشروعها فى مصر. ولكن، أن يتزامن كل ذلك مع تصعيد غير طبيعى فى الإرهاب مع الحديث عن تغيير الدستور، بهجوم قذر فى شمال سيناء، سبقته محاولة تفجير عبوتين ناسفتين أمام مسجد الاستقامة بالجيزة الذى بدأت عنده مسيرة البرادعى يوم 28 يناير 2011 الأسود، ثم حادث الدرب الأحمر، فهذا معناه أن فى الأمور أمورا، ولهذا، كانت تساؤلات الرئيس فى مؤتمر ميونيخ كاشفة تماما لكل أفراد «العصابة»، ومن يخطط ومن ينفذ ومن يحوم حول الجريمة، وحقيقة، لم يكن ناقصا سوى أن يذكرهم بالاسم! لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل