من يتأمل حياة الكثيرين الآن يلاحظ وجود ازدواجية فى السلوك عند معظم الناس بحيث نرى الطبيب الذى هو رحمة للناس ويداوى أمراضهم العضوية والنفسية قاسيا على أطفاله وزوجته إلى حد قتلهم بدم بارد لأسباب تافهة لا ترقى إلى أول درجات الجرم، ونرى المسئول الذى لا تفوته صلاة فى جماعة ويعتمر كل رمضان، وحج أكثر من مرّة، لكنه مستمر فى الرشوة والسرقة، أما من يلهون وراء المناصب التى من المفروض على من يتولاها أن يكون خادما للشعب نيابة عن الجهة التى يعمل بها، فنراهم يغشون ويتربحون من مناصبهم، ويضيعون حقوق الدولة ليأكلها من تربطهم بهم مصالح شخصية، وقد يحيطون أنفسهم بعصابة من البلطجية يمنعون عنهم كل من يحاول استجلاء الحقائق من وراء الحجب التى يسدلونها على أنفسهم وتعاملاتهم، وذلك الذى يجمع من البسطاء تحويشة عمرهم بزعم تشغيلها ثم يهرب بما جمع غير عابئ بالألم الذى حفره فى قلوب ضحاياه ،، أو من تفرط فى نفسها ثمنا لصعود سلالم الشهرة والنجومية وتحسب أنها أحسنت صنعا؟ فهل السبب وراء تلك الازدواجية التى تجعل أمثال هؤلاء المحتالين والقتلة والغشاشين والمرتشين، يتوسلون بالخير ويتسربلون بلباس الدين وظاهر الاستقامة هو الخلل النفسى المستتر وراء أقنعتهم الزائفة أم أنها الطيبة الزائدة التى تصل الى حد «العبط» من الضحايا أم هو السعار المادى وتضخم الذات السفلى الذى أصاب الجميع، فزاد نهم الغنى للمال، وعلا سقف المطالب للفقير، فودّع القناعة، وقرر السير فى اتجاه الموجة وحب الاقتناء، فاكتفى بظاهر الدين عن جوهره، وخشى الناس أكثر من خشية الله، وزاد نهم الازواج للحم الحرام مع وجود الحلال من بين يديهم ومن خلفهم، أم هى النفس الانسانية المجبولة على الجهل بما ينفعها، والفرح بكل ما يجلب إليها لذة حسية أو مصلحة وقتية، فتنشط إلى ما يرفعها فى نظر الناس سواء أرضى الله أم أسخطه، وتتوانى وتتباعد عن الفضيلة إن عميت عنهم أعينهم برغم أن عين الله لا تنام؟. إنه «الرياء والنفاق» مرض القلب الناشئ عن ضعف اليقين والركون الى الدنيا الذى أصيب به معظمنا بعد امتلاء الأسواق بالسلع والأجهزة، وازدحام الفضاء الالكترونى بحسابات «الفيس» و«الواتس» وما شابه ذلك، مما فتح مجالات جديدة للتباهى والتفاخر والتنابز بالألقاب والمناصب والمال مع سهولة البحث والمشاهدة لكل ما يعن لأى نفس بدءا بالاباحية المجانية وانتهاء بالجريمة والمخدرات؟ فما هو الحل ؟.. يقول ابن عطاء الله السكندري: «إذا خُيِّرتَ بين أمرين ، فانظر أثقلهما على نفسك فاتبعه، فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقا»، فهل آن الأوان لبدء جهادنا الحقيقى بتغليب ما فيه مصلحة الناس حتى ولو تعارض مع مصالحنا الشخصية، ونكون ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فنفوز بالسعادتين فى الدنيا والآخرة؟. د. سمير محمد البهواشى