يحمل الإنسان تاريخه على ظهره. قد يخف حمل هذا التاريخ فلا يؤذى، وقد يُثقل الكاهل فيصير عبئاً. ولا يكاد من يحمل تاريخاً ثقيلاً يظن أنه نُسى، أو تجاوزه الزمن، حتى يتبين أن عبئه لا ينتهى. لا يقتصر عبء التاريخ، بهذا المعنى، على الأفراد. الأمم أيضاً تحمل تاريخها على ظهورها. وها هو نائب رئيس الحكومة الإيطالية لويجى دى مايو يتهم فرنسا بأنها لم تتوقف عن ممارساتها الاستعمارية فى إفريقيا. فقد دعا الاتحاد الأوروبى إلى فرض عقوبات عليها، لأن هذه الممارسات تزيد الفقر فى إفريقيا، وتدفع بالتالى ملايين الأفارقة إلى الهجرة التى أصبحت إحدى أكبر المشكلات فى أوروبا فى السنوات الأخيرة. نسى دى مايو أن إيطاليا كانت، بدورها، دولة استعمارية، وأنها استعمرت ليبيا وإثيوبيا الإفريقيتين أيضاً. ولذلك ارتدت نيرانه عليه، وفق المثل القائل إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الناس بالطوب. والأرجح أنه لم يتوقع ارتداد الهجوم على إيطاليا، لأنه اتهم فرنسا بالاستمرار فى ممارساتها الاستعمارية، ولم يأت على ذكر تاريخها فى هذا المجال. غير أنه فضلاً عن صعوبة الفصل بين التاريخ والحاضر فيما يتعلق بالمسألة الاستعمارية، فقد اتهم فرنسيون إيطاليا بأن سياستها تجاه الأزمة الليبية تدل على أطماع، وتمثل بالتالى امتداداً لماضيها. وهكذا، يبدو أنه من الصعب التخفف من أثقال التاريخ الاستعمارى، مهما يفعل من يسعى إلى ذلك، ليس فقط لأن الشعوب التى أُخضعت للاحتلال لا تنسى، ولكن أيضاً لأن أنصار الحرية فى الدول الاستعمارية السابقة نفسها لا يكفون عن إدانة هذا التاريخ. وكان بعضهم أول من أحبط محاولة جديدة قامت بها الحكومة البلجيكية سعياً إلى التخفف من عبء التاريخ الاستعمارى فى الكونغو، حيث جددت متحفاً يضم أعمالاً فنية تُوثَّق هذا التاريخ بطريقة نقدية. لكن هذا المتحف يضم أيضاً قطعاً أثرية دعا بلجيكيون لإعادتها إلى الكونغو قبل أن يطالب رئيسها جوزيف كابيلا بذلك. وطغت قضية هذه القطع الأثرية على الهدف من تجديد المتحف، بل أظهر الافتتاح بإعادة افتتاحه مدى العبء المترتب على تاريخ بلجيكا الاستعمارى، رغم محدوديته جغرافياً وزمنياً. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد