هناك من يتمتع بما نطلق عليه الحصانة بحكم وظيفته، لا شخصه، ولا وضعه الاجتماعى، والهدف أن يمارس وظيفته فى أجواء آمنة، لا يشعر فيها بتهديد أو خوف، مثل عضو البرلمان، أو القاضى، وغيرهما. إذا واجه اتهامات ترفع عنه الحصانة للتحقيق معه، وما قد يستتبعها من إجراءات قانونية. الظاهر منذ فترة فى أحاديث عامة، كثير منها على مواقع التواصل الاجتماعى، وفى ثنايا بعض المقالات والمداخلات الإعلامية، أن شعورا يتصاعد بأن هناك حصانة من نوع آخر يريد البعض التمتع بها، غير منصوص عليها فى القانون، ولا تتصل بممارسة الشخص لوظيفته أو دوره. هؤلاء كثر، ولكن على الأقل هناك فريقان واضحان. أولا: هناك من يُطلق عليهم مؤيدو ثورة 30 يونيو، هؤلاء كانت لهم مواقف جادة ضد حكم الجماعة، ودافعوا عن مدنية الدولة المهددة. موقف سياسى مهم، يٌحسب دون شك لأصحابه. لكن لا يعنى ذلك وضعا مميزا لأحد خارج نطاق القانون، أو اعتبار ذلك دينا فى رقبة الحكم عليه أن يسدده، فمن اتخذ موقفا سياسيا ينبغى أن يكون تعبيرا عن قناعاته، وليس فى انتظار مقابل له، أو وضعا خاصا يحصده. نفس أسلوب التفكير شاهدناه فى مراحل سابقة. مؤيدو 25 يناير كان يخالجهم نفس الشعور، وأعتبر الشباب- باعتبارهم عنوان هذا التحرك الجماهيرى المهم- هوية خاصة، وسعى بعضهم للحصول على مكاسب. الشيء نفسه كان إبان حكم الجماعة حيث سعت جماعات، ومؤيدون لهم إلى جنى ثمار المرحلة. من هنا فإن الحديث عن وضع خاص ينبغى أن يتمتع به أشخاص لانحياز سياسى معين مسألة متكررة، وهناك من يفكر بنظام الكراسى الموسيقية، وهو تفكير سقيم ديمقراطيا. الموقف السياسى لا يُولد حصانة لشخص أيا كان. مواقف الشخص تٌحسب له، وهناك البعض ممن يمارسون الترحال السياسى من نظام لآخر، أو الترحال الزمنى من فترة لآخرى داخل نفس الحكم تبعا لما يحصده من مكاسب لا أكثر. ثانيا: هناك من المعارضين من يبحث عن حصانة لكونه معارضا. بالطبع لسنا بحاجة إلى التأكيد على مسألة أساسية أن المعارضة تثرى النقاش السياسى، وتسهم فى تصحيح الأخطاء، وتحقق الشفافية والمساءلة، وتقدم دائما بدائل لأشخاص يمكن أن تتولى مواقع عامة. المعارضة تنتقد الحكم، هذه مسألة طبيعية ومتوقعة، ولكن من ينتقد المعارضة نفسها، هل كونها معارضة يستتبع أن تتمتع بحصانة تلقائية لا تسمح لأحد أن ينتقدها أو يعارضها؟ هل كون شخص يحسب نفسه من المعارضين يتمتع تلقائيا بوضعية خاصة، لا يطوله نقد، وإذا طاله، نجد من يدافع عنه بزعم أنه معارضة مستهدفة؟. أفهم أن يدافع المعارض عن حقوقه، فهذا أمر بديهى، بل من صميم حقوق المواطنة، ولكن أن يبحث عن حصانة فى مواجهة المساءلة إزاء أخطاء أو مخالفات يرتكبها بحكم كونه معارضا، أو يجد من يعتبر الكشف عن أخطائه ترصدا له، فهذه ممارسة أيضا غير ديمقراطية، وتتعارض مع خطاب المعارضين أنفسهم. هناك جزء أساسى من خطاب الإحباط الذى يروج فى المجال العام نابع فى الأساس من حديث البعض ممن يظنون أن دينا لهم على ثورة 30 يونيو، أو يعتبرون أنفسهم من المعارضين الذين يتصورون أن من الخطأ محاسبتهم، أو تعرية أخطائهم، أو النظر فى تجاوزاتهم. بالتأكيد الأوضاع الراهنة ليست مثالية، وهناك أوجه عديدة من النقد التى تسهم فى تطوير الأداء العام، أهمها انخفاض معدلات المشاركة، والانكماش فى مساحات التفاعل والتعبير فى المجال العام، والاحساس بالضغوط الاقتصادية، لكن هناك مظاهر ايجابية عديدة تحتاج إلى رصد وتحليل، مثل التوسع فى الخدمات الصحية، ظواهر متطورة مثل معرض الكتاب فى دورته هذا العام، ومشروعات البنية الأساسية. الإشكالية أن هناك من يريد أن يحصر الجدل فى المجتمع حول القضايا السياسية المباشرة مثل حقوق الإنسان، وحرية الرأى والتعبير، وغيرها، وهى ضرورية ولازمة لبناء أى مجتمع ديمقراطى، ولكن دون ان تأتى على حساب قضايا أخرى لا تقل أهمية مثل السياسات العامة فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتى لا تجد من يتحدث عنها رغم أهميتها لمستقبل بناء المجتمع والمواطن المصرى. فهل الحديث عن العشوائيات، أو تشغيل الشباب، أو مواجهة البطالة، أو تطوير التعليم أقل أهمية من جرائم أخلاقية تمس مخرجا مشهورا فجأة اهتمت بها مواقع التواصل الاجتماعى، واعتبرت أنها قضية المجتمع الأساسية. يبحثون عن توقيتها، ومن أيقظها، ولماذا، الخ، وهى أسئلة تعبر عن شغف وإثارة، لكن لا تمس جوهر الموضوع. هل الاتهامات حقيقة أم لا؟ إذا كانت حقيقية هل ينبغى وضعها فى أدراج النسيان لمجرد أن صاحبها معارض أو فنان أو برلمانى الخ؟ بالطبع لن نستبق التحقيقات، والتى ينبغى أن يطبق فيها القانون بكل شفافية ونزاهة، لكن الملاحظة بشأن الاهتمام بقضايا ليست أساسية بالنسبة للمجتمع، ودفعها على قائمة الاهتمام العام، لمجرد أن هناك من يريد حصانة غير قانونية. لمزيد من مقالات د. سامح فوزى