الأزمات تضرب فى أواصر العالم، من الاضطرابات الداخلية إلى الصراعات بين الدول إلى جانب التحديات التى لا أول لها ولا آخر، والتى وصلت إلى مرحلة الذروة خلال 2018 وبدايات 2019. فمن الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، خروج بريطانيا من التكتل الموحد «بريكست» إلى الخلافات الثنائية الناشبة بين فرنسا وإيطاليا من جهة وفرنساوألمانيا من جهة أخرى وبين دول شرق وغرب القارة العجوز، إلى المشكلات الداخلية مثل «السترات الصفراء» واليمين الشعبوى والإرهاب والهجرة، إلى جانب السياسات المثيرة للجدل للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والتى تشكل تهديدا للأمن العالمى مثل مواقفه من الصراع العربى الفلسطينى والانسحاب الأمريكى من سوريا والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابى والملف الإيراني.. وغيرها الكثير والكثير من التحديات، جعلت التحذير من «تفكك النظام العالمي» العنوان العريض لمؤتمر ميونيخ الأمني. ومع انطلاق المؤتمر، الذى يعد الأهم فى العالم، حذر رئيس المؤتمر فولفجانج إيشنجر من تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم، فالنظام العالمى القائم على قواعد مشتركة وهيكلية عالمية لم يعد قادرا بعد على البقاء. ويأتى هذا التحذير مع قوة التنافس بين القوى الكبرى، ومع الصراع بين الولاياتالمتحدةوروسيا الذى وصل إلى حد التهديد بالانسحاب من معاهدة نزع الأسلحة النووية متوسطة المدى، وهو ما اعتبره إيشنجر «مأساة لمنظومة الأمن الأوروبية» وحدثا خطيرا. إيشنجر رئيس المؤتمر حذر من أنه «فى الحالة الراهنة للشئون الدولية، من الصعب عدم رؤية أن العالم لا يشهد فقط سلسلة من الأزمات الصغرى والكبرى فقط، ولكن هناك مشكلة جوهرية أكثر، حيث نمر بتجربة إعادة تشكيل أسس النظام الدولي، هناك حقبة جديدة من منافسة القوى الكبرى تتكشف بين الولاياتالمتحدة والصين وروسيا، مصحوبة بفراغ وجود قيادة فيما أصبح يعرف بالنظام الدولى الليبرالي». ووسط هذه التحذيرات التى تطرح الكثير من علامات الاستفهام، يسعى المؤتمر إلى العثور على إجابات واضحة خلال الدورة الحالية التى تشهد مشاركة غير مسبوقة لصناع القرار فى العالم، حيث من المتوقع حضور 35من رؤساء الحكومات ورؤساء الدول، بالإضافة إلى 80 وزيرا للخارجية والدفاع. ومن المقرر أن يشارك يانج جيتشي، أعلى ممثل للسياسة الخارجية للصين، فى مؤتمر هذا العام، ومن المنتظر أن يحضر أكبر وفد أمريكى فى التاريخ يضم مايك بنس نائب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ووزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، كما سيترأس وفد الكونجرس أعضاء مجلس الشيوخ ليندسى جراهام وشيلدون وايتهاوس وروجر ويكر وجيمس إنهوف ورئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسي. وحضور الرئيس السيسى لمؤتمر ميونيخ يشكل خطوة مهمة باتجاه طرح رؤية مصر للقضايا الأمنية والاستراتيجية التى تهدد الشرق الأوسط والعالم. فقد التقى الرئيس، خلال مشاركته فى فعاليات قمة مبادرة مجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا، رئيس مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية فى أكتوبر الماضي. وشدد الرئيس، خلال هذا اللقاء، على أهمية عملية بناء الوعى لدى شعوب المنطقة لإدراك واقعها الفعلي، ومن ثم الشروع فى الإصلاح وصياغة الحلول بناء على تشخيص سليم على نحو ينهى معاناة تلك الشعوب ويطلق مرحلة حقيقية من التنمية فى المنطقة. ووجه إيشنجر الدعوة للرئيس السيسى للمشاركة فى أعمال مؤتمر ميونيخ، مواكبة لتولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى خلال 2019، لتعزيز التنسيق والتشاور مع مصر إزاء القضايا الإقليمية المختلفة. وكانت ميركل قد أشادت بالنموذج المصرى لتحقيق الاستقرار باعتباره نموذجا يحتذى به للاستقرار فى الشرق الأوسط، إلى جانب الدور الرائد للقاهرة فى التنمية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. كما أن مصر تلعب دورا كبيرا من أجل حل الصراعات التى تعصف بالمنطقة، مما يجعلها الأكثر دراية بالقضايا الأمنية والتحديات التى تهدد الشرق الأوسط سواء على صعيد الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وملف المصالحة إلى جانب التحديات فى سوريا وليبيا واليمن وغيرها من القضايا التى تثير مخاوف وانقسامات عالمية. وتستند النجاحات التى حققتها مصر لترسيخ الأمن والاستقرار إلى مقاربة شاملة فى الحرب على الإرهاب تسعى من خلالها إلى علاج جذور المشكلة عبر دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الأيديولوجية والفكر المتطرف وقطع التمويل عن التنظيمات الإرهابية. وعلى الرغم من أن مؤتمر ميونيخ يقدم مساحة للحوار والإجابة على التساؤلات الكبرى وعلامات الاستفهام، إلا أنه لا يوجد حلول جماعية لحالة الفوضى التى تضرب العالم، وتظل المصالح الوطنية هى الفيصل. فقد قرر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مقاطعة المؤتمر بسبب خلافه مع ألمانيا حول مشروع «السيل الشمالي-2» مع روسيا. وحاول الإليزيه تبرير ذلك بمظاهرات السترات الصفراء، إلا أن القرار يحمل فى طياته رسالة رمزية تدل على حدوث فتور تدريجى فى العلاقات بين ألمانياوفرنسا، الحليفين المحوريين فى الاتحاد الأوروبي، بينما ردت ميركل بفتور أكبر قائلة إنه «لا مشكلة» فى إلغاء الزيارة. وتتصدر العديد من القضايا أجندة مؤتمر ميونيخ منها الحديث عن وحدة الاتحاد الأوروبي، والتعاون عبر ضفتى الأطلنطي، إلى جانب النتائج المحتملة لعصر جديد من تنافس القوى الكبرى. كما سيركز المؤتمر على مستقبل السيطرة على الأسلحة والتعاون فى مجال السياسة الدفاعية، إلى جانب التقاطع بين التجارة والأمن القومي، بالإضافة إلى تأثيرات التغيير المناخى والابتكارات التكنولوجية على الأمن الدولي، والحرب ضد داعش وقضايا الشرق الأوسط، وفى مقدمتها إيرانوسوريا.