والله العظيم، أفكر جديا فى مقاطعة مشاهدة ومتابعة أخبار ومباريات كرة القدم المصرية! «لأ بجد»، زهقنا وطهقنا وقرفنا من هذا الوسط الرياضي، وأتمني، وغيرى كثيرون، إطلاق حملة على غرار «خليها تصدي» لفرض مقاطعة شاملة على المباريات وأخبارها وبرامجها، بعد أن فقدت كرة القدم فى بلدنا قدرتها على الإمتاع والترفيه، وأصبحت مصدرا للوقيعة والخصام والفرقة، وسببا سريعا لارتفاع ضغط الدم وحرق الأعصاب، وساحة لنشر العنف والإحباط والكراهية، بل والعنصرية أيضا، ومبررا لتعليم أطفالنا الغش والكذب والانتهازية، وبات الوسط الكروى عندنا دون غيره فى أى مكان بالعالم أشبه بمستنقع نتن أو مكب للنفايات! .. ما هذا العك؟ فى معظم بلاد العالم، كرة القدم صناعة مدرة للربح، ومصدر للدخل القومى، وفى كل الأحوال، وسيلة للترفيه والمتعة وتهوين مصاعب الحياة على خلق الله، ولكنها عندنا، لا هى مدرة للربح، بل ننفق عليها دم قلبنا، ولا مصدر للدخل القومي، بل حنفية لإهدار المال العام وأموال رجال الأعمال، ولا هى وسيلة للمتعة وتهوين مصاعب الحياة على الناس، بل صارت ذاتها مصدرا للمصاعب والمشكلات والفرقة والفتن والأزمات! لاعبون على قد حالهم، فنيا وبدنيا وسلوكيا، كل مهمتهم التمثيل للحصول على «فاولات»، وهدفهم إيذاء اللاعب الخصم، وقد ظهر مستواهم الحقيقى أمام العالم قبل بضعة أشهر فى مونديال روسيا، ومع ذلك يظنون أنفسهم نجوما وقادة رأي، وتدفع رواتبهم إدارات الأندية عشرات الملايين من الدولارات، إما من أموال الدولة، أو من أموال دافعى الاشتراكات، أو من أموال رجال أعمال لا يعرف أحد بالضبط طبيعتها ولا كيف تدر عليهم هذه الأموال الطائلة التى تهدر على لاعبين لا يساوى معظمهم عشرة جنيهات! إداريون ومسئولون يتشاجرون ويتلاسنون مع بعضهم البعض «عمال على بطال» ولا الأطفال فى دور الحضانة، وكأنهم مولودون «فوق رءوس بعض»، كل مهمتهم تبادل التصريحات والاستفزازات و«الكيد» عبر وسائل الإعلام، وخوض معارك شديدة التفاهة على قرار حكم أو حضور اجتماع أو موعد مباراة أو لون فانلة أو شراب، «ولا مؤاخذة»! حكام مهزوزون ضعاف لا حول لهم ولا قوة، ولا ظهر لهم، ولا لياقة ولا مستوى ولا شخصية، يرتعدون ويرتعشون أمام الأهلى والزمالك، وترهبهم تشويحات اللاعبين وصيحات الجماهير وانتقادات الحكام السابقين وضغوط من يسمون أنفسهم الإعلاميين، فيتخبطون فى قراراتهم أكثر، والنتيجة أنك ترى فى مصر تحكيما وقرارات لا يمكن أن تحتسب فى أى مكان آخر بالعالم. اتحاد كرة ضعيف مرتبك غير قادر على إدارة اللعبة، وسبق أن فشل فى إدارة معسكر المنتخب فى روسيا، وأعضاؤه متفرغون للانتخابات وصراع الديكة، فتبعثرت ولاءاتهم وقناعاتهم. مدربون مصريون وأجانب من كل أنحاء الأرض يتقاضون ملايين الجنيهات مقابل الوقوف على الخط للظهور على كاميرات التليفزيون وهم يفكرون ويتحسسون خدودهم وشنباتهم وأنوفهم وذقونهم وكأن الواحد منهم يقود إحدى معارك الحرب العالمية الثانية، لا يفعلون شيئا سوى التشويح والاعتراض على الحكام، وتحميل خيبتهم على الحكم مرة وعلى «النجيلة» مرة أخرى، وبعد مباراة أو اثنتين يقال «الكوتش» العبقرى الذى صدعونا بأمجاده، لتبدأ بعد ذلك سبوبة «تدوير» المدربين، وهى سبوبة ولا «مشروع مارشال» ذات نفسه، بدليل أن هناك أندية تغير مدربها سبع مرات فى الموسم، بل يوجد مدربون مصريون وأجانب لم يتركوا ناديا تقريبا إلا دربوه! جماهير تحركها أموال مشبوهة وإدارات أندية ورجال أعمال وكتائب إلكترونية، هتافاتها بأجر، وشتيمتها بأجر، وشغبها بأجر، ثم تفاجأ بعد بإعلامى محترم يمجد فى الجماهير «العظيمة»، وبمعلق كروى يكاد يبكى على خلو المدرجات من الجماهير «فاكهة» المباريات، ثم «موال» المجد للشهداء! وأقولها بأعلى صوت: فى مصر الآن، التى تبني، وتتقدم، وتقوى، وتعالج بشجاعة أزمات نصف قرن مضي، وتضحى بشهداء حقيقيين، لم تعد الكرة فيها متعة، ولا رياضة، ولا صناعة، ولم تعد خناقاتها تستاهل، ولم يعد البذخ الحاصل فيها مقبولا أو يرضى ربنا، فلا الأهلى دولة ولا «فوق الجميع»، ولا الزمالك «مدرسة» ولا «هندسة»، ولا بيراميدز تجربة تدرس، ولا الإسماعيلى «دراويش» ولا «برازيل»، ولا الاتحاد «زعيم الثغر»، ولا «سيد البلد»، ولا «البنى آدم» إياه «أمير القلوب»! فكفانا كذبا وخداعا وأموالا تبعثر، وأخلاقا تمتهن، ورياضة تفقد معناها وهدفها! فاحترموا أنفسكم، واحترمونا نحترمكم، وإلا سننصرف عنكم، و.. «خلوها تفلس»! لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل