يعد المخزون الحكومى من المسائل المهمة فى البحث عن أصول الدولة والعائد عليها، خاصة انه يطرح العديد من الأمور المرتبطة بسياسات الاستثمار العام والمشتريات الحكومية، وهنا تشير الإحصاءات الختامية إلى أن قيمة موجودات المخازن قد بلغت 296 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2018 مقابل نحو 80 مليار جنيه فى نهاية يونيو2007.. وزيادة المخزون عن الحدود الاستراتيجية اللازم الاحتفاظ بها يرتب العديد من المشكلات الإدارية والأعباء المالية، خاصة ان هذه الأصول تتعرض للضياع وفقدان قيمتها سنة بعد أخري. فضلا عن وجود بعض الأصناف الجديدة المشتراة أو الواردة، كمنح من جهات أجنبية، بالمخازن فترة طويلة دون الاستفادة منها، هذا فضلا عن انتهاء صلاحية بعض هذه الموجودات. بالإضافة الى ترك بعض الأجهزة معطلة دون اتخاذ الإجراءات لإصلاحها والاستفادة منها، ناهيك عن عدم الاستفادة من بعض خطوط الإنتاج والمعدات والأجهزة والأثاثات المشتراة، بسبب عدم الانتهاء من الأعمال الإنشائية وتجهيز المكان الملائم لتركيبها وتشغيلها، أو عدم توافر العمالة اللازمة للعمل عليها أو عدم توافر مستلزمات التشغيل أو قطع الغيار اللازمة لها، أو عدم مواكبة بعضها للتكنولوجيات الحديثة، وبالتالى عدم الحاجة إليها. يضاف الى ذلك ضعف الرقابة على الأعمال المخزنية بسبب عدم تطبيق لائحة المخازن الحكومية بطريقة سليمة، كل هذه الأمور وغيرها يؤدى الى تكدس المخازن بالعديد من الأصناف الكهنة والخردة والراكدة المستغنى عنها منذ فترات طويلة دون اتخاذ إجراءات التصرف فيها، وهى أمور تؤثر بالسلب على مالية الدولة وتؤدى الى المزيد من الإسراف والهدر فى المال العام وهناك العديد من الأسباب التى تؤدى الى تراكم هذا المخزون يأتى على رأسها قيام الأجهزة المعنية بتسلم الأجهزة أو المعدات والآلات رغم وجود بعض العيوب بها أو وجود ملاحظات فنية عليها تحول دون استخدامها. أو عدم إدراج بعض الأعمال الضرورية ضمن بنود العقود ومن ثم المغالاة فى أسعارها بعد ذلك. أو عدم تهيئة الموقع للعملية الاستثمارية مما يؤدى إلى تأخر التنفيذ وارتفاع التكلفة والبطء فى العملية والأمثلة على ذلك عديدة، فضلا عن عدم إجراء الدراسات الواجبة لبعض المشروعات قبل طرحها للمناقصات العامة، وعدم الدقة فى وضع التصميمات والرسومات، وكذا عدم تحديد المدة الزمنية اللازمة لتنفيذ المشروع مما يؤدى إلى تعديل المشروع، بعد إسناده والبدء فى تنفيذه، أو إضافة أعمال أخرى لم تتضمنها الرسومات الأساسية للمشروع ،الأمر الذى يترتب عليه أعباء مالية إضافية دون مبرر، فضلا عن التأخر فى تنفيذ المشروع. وهكذا يسهم الوضع الحالى فى تدنى كفاءة الاستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة فى البنية التحتية العامة وذلك بسبب الرشاوى التى تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها، بالإضافة إلى انتشار الوساطات والغش مما يؤدى إلى زيادة حجم المخزون السلعى حيث تؤدى هذه العملية إلى شراء أصناف من السلع موجودة بالمخازن بالفعل بدلا من السحب من المخزون مما يؤدى إلى تكدس السلع بالمخازن وعدم الاستفادة منها. ويرجع السبب فى استشراء هذه العملية والتى تحدث عبر استخدام النفوذ السياسى أو الاقتصادى لبعض الاشخاص لتحقيق مجموعة من الأهداف، يأتى على رأسها الشمول فى لائحة المشتريات المؤهلة للدخول فى المناقصات الحكومية، بغض النظر عن الاشتراطات القانونية المؤهلة لذلك. أو الإسهام فى صياغة مواصفات فنية معينة تجعل الشركة هى الوحيدة القادرة على تقديم الخدمة، دون غيرها من الشركات المنافسة مما يمكنها, متى كسبت العقد, من تضخيم تكلفة التنفيذ أو تغيير النوعية المطلوبة. ورغم وجود ترسانة قانونية لتنظيم هذه العملية إلا انها جميعا تعانى مشكلات عديدة منها عدم وجود ضوابط أو شروط لتنظيم مشاركة القطاع الخاص، وغياب أسس التقييم التى تتفق مع طبيعة هذه المشروعات، مع عدم توافر الإجراءات القانونية التى تنظم كيفية متابعة الالتزام بتنفيذ هذه العقود وتسوية المنازعات التى قد تنشأ عن هذه الأوضاع. فضلا عن افتقار القطاعات الاقتصادية الحكومية الخبرة الفنية والمالية والقانونية اللازمة لطرح تلك المشروعات على المستثمرين وتنظيم المشاركة. لذلك أصبح من الضرورى العمل على اتباع سياسة جديدة للتعامل مع المخزون الحكومى بغية تحقيق الاستفادة الكاملة منه عن طريق مراعاة الشراء المركزى للاحتياجات وتنميط وتحديث وتوحيد مواصفات المشتريات الحكومية، وفقا لمعايير الجودة المناسبة، بما يمكن من تجميع هذه المشتريات والتعاقد عليها بأفضل الشروط والأسعار، وبما يسهم فى الوقت نفسه فى تعميق التصنيع المحلى على أسس اقتصادية، وهو ما يوفر قدرا لا بأس به من الأموال المهدرة وضرورة تحديث بيانات المخزون حتى تعلم الجهات المختلفة ما لدى الجهات الأخرى من أصناف قد تكون فى حاجة إليها، بحيث لا يتم شراء اى معدات أو أجهزة أو مستلزمات إنتاج إلا بعد التأكد من عدم وجودها فى مخازن الجهات التابعة للوزارة أو الوزارات الأخرى، وهذا لن يتأتى إلا عبر تكويد المخزون الحكومي، ووضع حدود قصوى لملافاة تراكم المخزون أو ركوده أو تعرضه للتلف، وكذلك ينبغى العمل على تحديد وحصر الأصناف الزائدة ووضع الخطط اللازمة للتصرف فيها، وكلها أمور تتطلب المزيد من الشفافية فى المشتريات الحكومية، فغياب هذه المسألة يؤدى الى مشكلات عديدة وهو ما حاول القانون الجديد رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التى تبرمها الجهات العامة، العمل على تلافيها عن طريق تعزيز مبادئ العلانية والشفافية وتكافؤ الفرص فى هذه العملية، ذلك بتطوير طرق الشراء والبيع والتعاقدات والتنظيم المؤسسي. كل هذا يتطلب إعادة النظر بصورة شاملة فى الوضع الحالى لهيئة الخدمات الحكومية، خاصة انها المنوط بها إدارة هذه العملية ككل، فهى التى تشرف على التعاقدات الحكومية التى تقوم بها جميع جهات الدولة، الجهاز الإدارى والمحليات والهيئات الاقتصادية والخدمية والأجهزة التى لها موازنات خاصة، كما أنها مطالبة بتدريب الموظفين المسئولين عن وظائف المشتريات والتعاقدات الحكومية، وفقا لما جاءت به المادة 88 من القانون، وبالتالى فهى آلية من آليات الحفاظ على المال العام وتحسين الأداء الاقتصادى، ومنظومة إدارة المالية العامة. لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى