«الاضطرابات السياسية وأعمال العنف التي أعقبت انتفاضة 2011 واستمرت على مدى عدة أعوام شلت حركة الاقتصاد وأبعدت السائحين الأجانب والمستثمرين وأدت إلى انخفاض الإنتاجية». قد لا يصدق أحد أن هذه العبارة وردت بالحرف الواحد في تقرير بثته وكالة «رويترز» بتاريخ 23 يناير 2019 بعنوان «الرئيس السيسي يصرح بأن الإصلاحات أكثر ألما قد انتهت». قد تكون هذه العبارة قد وردت في تقرير «رويترز» عن طريق الخطأ، وقد تكون كلمة حق جاءت من حيث لا يتوقع أحد، وفي توقيت ذرفت فيه وسائل الإعلام الغربية الدموع على مرور ذكرى 25 يناير 2011 في مصر في صمت تام. ولذلك، فهي شهادة للتاريخ، واعتراف صريح ونادر، من الوكالة البريطانية العريقة التي تتخذ موقفا سلبيا للغاية تجاه الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو، والتي اشتهرت أيضا بإفراطها الشديد في تمجيد ما يسمى ب»الربيع العربي» ورموزه في مصر، وفي غيرها من دول المنطقة. هذا هو يناير 2011 في عيون رويترز، وهذا هو «الربيع العربي» من وجهة نظرهم، فهو مجرد «انتفاضة» وليست «ثورة»، وهو حدث تواكبت معه موجة اضطرابات سياسية، أي لم يأت بأي استقرار أو سلام، وهو الذي صاحبته أعمال عنف، رغم ما قيل عن سلميته، وهو أيضا الذي تسبب في آثار كارثية على الاقتصاد، وتسببت في «تطفيش» السائحين والمستثمرين، أي أنه المسئول عما تشهده مصر من أوضاع اقتصادية صعبة منذ ثماني سنوات، وليس الحكومة الحالية! هل يوجد اعتراف أكثر وضوحا من ذلك؟! وبشكل عام، جاء تقرير «رويترز» المذكور غريبا، مليئا بالعبارات الدقيقة التي تعبر بحق عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية في مصر، وتنفي ما روجت له الوكالة نفسها في الماضي، مع غيرها من وسائل إعلام غربية، من أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر فاشل ولا جدوى منه. فقد تناول التقرير بشكل عام ما صرح به الرئيس السيسي من أن الجزء الأكثر ألما من برنامجه الطموح للإصلاح الاقتصادي قد انتهى، إلا أنه حذر في الوقت نفسه من أنه لا يزال هناك شوط طويل يتعين قطعه قبل أن يكتمل، بحسب رويترز أيضا. وأضافت الوكالة في تقريرها أن السيسي وجه مجددا الشكر إلى المصريين على «تحملهم الإجراءات الاقتصادية الصعبة والقاسية»، وتابعت قائلة إن إصلاحات الرئيس والتحسن الذي طرأ على الوضع الأمني قد حسن المؤشرات الاقتصادية ونال الاستحسان من قبل داعمي القاهرة الغربيين، وهو ما ينفي أيضا ما سبق وأن روجت له الوكالة ووسائل إعلام غربية أخرى على مدى سنوات من أن الوضع الأمني في مصر ما زال متدهورا، وأن سياسات «القمع» هي المسئولة عن ذلك. وفي عبارة أخرى نادرة في هذا التقرير «الاعترافي»، أشارت رويترز إلى أن «إلغاء الدعم الذي تقدمه الدولة هو شيء لم يستطع رؤساء مصر السابقون القيام به بسبب الخوف من الاضطرابات»، وهو ما يؤكد جرأة السلطة الحالية في اتخاذ قرارات الإصلاح، وينفي في الوقت نفسه ما تم الترويج له بشأن تراجع شعبية الرئيس السيسي بسبب هذه الإصلاحات المؤلمة. ولم تكتف الوكالة بذلك، بل أشارت أيضا إلى أن «إصلاحات الرئيس السيسي تغذي السخط الشعبي، ولكنها لم تدفع المواطنين إلى التظاهر»، فما هو يا ترى هذا السر الغريب الذي يمنع شعبا ساخطا من التظاهر بخلاف أنه مقتنع بأن هذه الإجراءات لا مفر منها؟! قد يكون التقرير بداية ل»مراجعات» رويترز لمواقفها تجاه الطريقة التي تغطي بها الأحداث في مصر، ولكنه في الوقت نفسه قد تكون مجرد «غلطة» لن تتكرر، وستعود ريما لعادتها القديمة. وعلى الأرجح، يعد الاحتمال الثاني هو الأقرب للتصديق، بدليل الحملة الشرسة التي قادتها رويترز وأسوشييتدبرس وسي إن إن وبي بي سي طوال الأسابيع الماضية بشكل متناغم، وبعيدا عن التقرير المشار إليه، لمهاجمة أوضاع الحريات في مصر، وتحريض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل وأثناء زيارته لمصر لكي يثير قضايا حقوق الإنسان مع القيادة المصرية، وقد فعل، وفشل. والأهم من ذلك، ما بثته رويترز نفسها بتاريخ 24 يناير 2019، أي في اليوم التالي مباشرة لتقرير «الاعتراف»، وتضمن ما ذكرته ناشطة شهيرة من أن مصر الآن أسوأ حالا مما كانت عليه قبل انتفاضة يناير!! .. أيهما نصدق؟!