جواب صغير للغاية عن سؤال كبير مطروح منذ أكثر من سنتين عندما تحول صعود حركات وأحزاب قومية متشددة وشعبوية إلى ظاهرة آخذة فى التوسع. كان السؤال، ومازال، عن مغزى غياب دور المثقفين الأوروبيين فى مرحلة تبدو أفكارا وقيما تنويرية وتقدمية صنعها أسلافهم مهددة بخطر متزايد. السؤال كبير لأنه يتعلق بمصير العالم، وليس مستقبل أوروبا فقط. صعود القوميين المتشددين والشعبويين فى أوروبا يخلق حالة كراهية تجاه الآخر، وينعكس على بلدان أخرى خاصة فى الشرق الأوسط، والعالم الإسلامى عموماً، لأن مشاعر البغض التى ينشرونها موجهة فى معظمها ضد مهاجرين من هذه البلدان، وبالتالى ضد تقاليدهم، وثقافتهم. والجواب الذى ظل منتظراً جاء ضعيفاً من حيث مصدره، ومحتواه. فقد أخذ صورة بيان لم يوقعه سوى ثلاثين مثقفاً أوروبياً من 21 دولة، وركز فى الأساس على الدفاع عن الفكرة الأوروبية. العدد أقل من صغير فى قارة ساهم مثقفوها فى تنوير العالم فى مرحلة انتقال صعبة من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. ومع الاحترام الواجب لهم جميعهم، ليس معروفاً منهم على نطاق واسع سوى الفرنسى بيرنار هنرى ليفى صاحب الكتابات الفلسفية المثيرة للجدل، والبريطانيين إيان ماكإيوان صاحب رواية أمستردام التى حازت جائزة بوكر العالمية عام 1998، وسيمون شاما صاحب المؤلفات التاريخية العميقة التى تُرجم منها إلى العربية كتابه مواطنون: حكايات الثورة الفرنسية، كما أن بين هذا العدد الصغير جداً اثنين لا يعتبران أوروبيين، وهما سلمان رشدى ذو الأصل الإيرانى، وأورهان باموك الروائى التركى. ومن شأن جواب ضعيف على هذا النحو أن يعيد صوغ السؤال كالتالى: هل يرجع غياب المثقفين الأوروبيين إلى لا مبالاة أم إلى إحباط أو يأس؟. فإذا لم يكن معظمهم مستعدين حتى لتوقيع بيان صغير، فهل ينتظر منهم إسهامات ثقافية كبرى فى مواجهة الأفكار والقيم الشعبوية والقومية المتطرفة؟ كما أن محتوى البيان يضيف بُعداً آخر للسؤال من زاوية اختزال الأزمة فى تراجع الفكرة الأوروبية، رغم أنها لم يكن لها وجود عندما انتصر أسلافهم بدءاً من القرن السابع عشر للقيم التى باتت مهددة الآن, وفى مقدمتها الحرية والمساواة والإنصاف. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد