كان صديقى أحمد زويل يقول لو عاد بى العمر لاخترت تخصصا غير الكيمياء كنت أتمنى لو درست المخ البشرى لقد حقق العلماء انجازات كثيرة فى كل فروع العلم ووصلوا إلى كل الأشياء فى جسم الإنسان ولكن بقى المخ هذا الصندوق الغامض الذى حار العلماء فيه.. كان السؤال دائما هل يحب الإنسان بقلبه أم بمخه أم بكل ذرات كيانه هناك من قال إن المخ هو الذى يحرك كل شىء إحساسا وكلاما وذاكرة وهناك من قال انه القلب الذى تتحرك الأشياء مع كل نبض فيه.. وكنت دائما أتساءل كيف تكون جالسا وحيدا فى ليلة شتوية ثقيلة وترى أمامك طيف امرأة ودعتها من زمن بعيد.. من أين جاءت وكيف تسللت إلى صقيع أيامك لتمنحك لحظة من الدفء وأنت تواجه شتاء متوحشا..هل هى نبضات القلب التى حركتها برودة الأشياء فوجدت أمامك هذا الطيف أم هى الذكريات التى هبطت عليك من دفاتر كثيرة جمعها هذا الصندوق الصغير الذى يسمى المخ وأين احتفظ بها وكيف أفرج عنها فى لحظة احتياج شعر بها.. ماذا يعنى أن يطل عليك وجه امرأة لم تعد تذكر شيئا من ملامحها وكيف تجمعت هذه الملامح مرة أخرى لتجد أمامك صورة ربما غابت عن عينيك ولكنها بقيت فى الذاكرة هذا السر الغامض الذى لم يصل إليه العلماء حتى الآن.. لا أدرى كيف تسلل هذا الوجه الذى غاب عنى سنوات حتى تخيلت اننى نسيته ومع برودة الجو والإحساس وصقيع الليالى الباردة رأيت هذا الطيف أمامى حتى تخيلت انه حقيقة.. ما الذى يجعلنا نهرب إلى ذكرياتنا وكيف يطاردنا وجه وننسى الوجوه الأخرى فى زحمة الأحداث والأيام وهل يمكن أن تلتقى المشاعر فى لحظة واحدة من الزمن.. من زمن بعيد قرأت قصة اثنين من العشاق افترقا وقبل أن يمضى كل منهما فى طريق اتفقا على أن يختارا لحظة من الزمن فى يوم من الأيام ويشاهدا القمر معا وكان كل منهما يشعر بالأخر رغم أن المسافات بينهما اتسعت كثيرا وفرقت بينهما بلاد وبلاد ولكنهما اعتادا هذا اللقاء الغامض عاشقين.. وفراقا.. وغربة.. وطيف قمر يجمعهما فى ليلة صيفية فيرى كل منهما الآخر دون حساب للزمن أو للمكان. [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة