كم يبدو البون شاسعاً اليوم مقارنة بما كان عليه العالم قبل ستة عقود فقط عندما وصلت المركبة الفضائية السوفيتية لونا إلى سطح القمر فى سبتمبر 1959، كانت عبارة غزو الفضاء تُستخدم بطريقة مجازية، بينما كان المعنى الحقيقى هو الوصول إليه، والهبوط على أقرب مكان فيه. لكن الحديث عن غزو الفضاء يبدو حقيقياً الآن، فى ظل مبادرة الرئيس دونالد ترامب لإنشاء فرع عسكرى سادس فى الجيش الأمريكى يختص بشئون الفضاء. والمتوقع أن تسلك دول أخرى الطريق نفسه، وتنشئ قيادات عسكرية فضائية، رغم أن الاتجاه السائد فى ردود الفعل الدولية على مبادرة ترامب ينحو إلى التحذير من عسكرة الفضاء، والدعوة إلى استخدامه فى الأغراض السلمية. أطلق ترامب، إذن، صفارة بداية سباق تسلح جديد، ولكن فى الفضاء هذه المرة. ولذلك لم يعد الحديث عن أسلحة فضائية مجازياً. فقد أصبح تطوير هذه الأسلحة متوقعاً. ولن يمضى وقت طويل حتى نتابع التطور الذى يحدث فيها، كما نفعل الآن بشأن الأسلحة التقليدية، وأسلحة الدمار الشامل بمستوياتها المتباينة. ولم يأت هذا التحول من فراغ. فقد تم تطوير معدات تصلح للاستخدام المزدوج فى الأرض والفضاء. كما تم استخدام أقمار التجسس فى عمليات إنذار مبكر، ومراقبة، وسيطرة وتحكم فى معارك على الأرض، كما حدث فى الغزو الأمريكى للعراق على سبيل المثال. وحدث هذا، وغيره، رغم وجود معاهدة تحظر نشر أسلحة فى الفضاء (معاهدة الفضاء الخارجى لعام 1987). لكن بخلاف كل ما يُعد انتهاكاً لهذه المعاهدة حتى الآن، ستكون الخروقات القادمة لها جسيمة وبالغة الخطر. وربما يؤدى السعى لتبرير هذه الخروقات إلى نوع جديد من الاستعمار الفضائى، وهو إقامة الدول مناطق خاضعة لسيطرتها على سطح القمر والمريخ, والزعم بأنها مملوكة لها لكى تبرر انتهاك المعاهدة بحاجتها إلى حماية ممتلكاتها. ولم يعد هذا خياراً، بخلاف ما كان حتى وقت قصير. فقد بدأت إرهاصات سباق تسلح للسيطرة على الفضاء. وسيكون سباق التسلح فى الفضاء أخطر منه على الأرض، فى غياب قواعد قانونية تنظمه، وتحدد أبسط الأمور المتعلقة به مثل تعريف الأسلحة الفضائية. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد