اختيار مدينة إخن التى تقع فى أقصى غرب شمال الراين لتشهد توقيع أول اتفاقية للدفاع المشترك بين ألمانياوفرنسا لا يخلو من الرمزية التاريخية لهذه المدينة التى تلتقى حدودها مع بلجيكا وهولندا حيث كانت خلال العصور الوسطى عاصمة للإمبراطور شارلمان الكبير الذى وحد أجزاء كبيرة من أوروبا وكان من بينها فرنساوألمانيا.. كان الهدف الرئيسي من اختيار هذه المدينة التى يعتبرها المؤرخون «قلب أوروبا» هو تأكيد أن أوروبا فى طريقها لاتخاذ قرارات غير مسبوقة تسمح لها بأن تكون لاعبا أساسيا فى تحديد خريطة العالم السياسية، وهو الأمر الذى لن يتحقق إلا بوجود جيش قوى قادر على حمايتها وفرض سياستها دون الاعتماد على حلف الناتو الذى تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية. وصف بعض المراقبين هذا الاتفاق الذى تم بين أكبر دولتين فى الاتحاد الأوروبى والذى تم توقيعه منذ أيام فى الذكرى السادسة والخمسين لتوقيع معاهدة الإليزيه فى باريس..بأنه الشرارة الأولي لتغير شامل فى إستراتجية الإتحاد وان هناك إصرارا كبيرا على المضي قدما تجاه تأسيس قوة عسكرية أوروبية تكون قادرة على حماية مصالحها وتحقيق أهدافها بعيدا عن الوصاية الأمريكية التى بدأت بوصلة سياستها تسير عكس الإتجاة الأوروبى. تنص المعاهدة التى وقعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على إتفاقية دفاع مشترك حال تعرض احدهما للعدوان.والتعاون فى تصنيع الأسلحة الهجومية والدفاعية.وفى تعليقها على هذا التوجه الجديد أكدت ميركل عزم الدولتين الدفع تجاه قيام جيش أوروبي. ولكن بالرغم من أن هناك 10 دول أوروبية رحبت بهذا التوجه منها بلجيكا والدنمارك وإستونيا وهولندا وإسبانيا والبرتغال..وكذلك رئيس البرلمان «البوندستاج» فولفانج شويبله ووزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون..إلا أن المراقبين أكدوا أن المانيا ذاتها ستكون أكبر عائق أمام تحقيق هذا «الحلم» الذى لن يرى النور على الأقل فى المستقبل القريب..وذلك للعديد من الأسباب منها أن مهام الجيش الألمانى بالخارج يلزمها تصريح مسبق من البرلمان، في حين أن الوضع فى فرنسا مختلف حيث يستطيع رئيس الدولة إرسال الجيش للخارج بقرار منفرد دون موافقة البرلمان. وهنا تحديدا أيدت الصحف ما أكده المراقبون حيث نشرت صحيفة «دى فيلت» الألمانية تصريحات لميركل نفسها أكدت فيها أن هناك إشكالية تعترض تشكيل جيش أوروبى.. وأن ألمانيا شريك ليس سهلا. مشيرة إلى أن تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع سوف يأخذ فترة طويلة وأن ألمانيا أحد أسباب هذه الإشكالية.. وقالت إن كل تدخل عسكري تقوم به بلادنا يجب أن يحظى بموافقة البرلمان..وهو الأمر الذى لن يوافق عليه شركاؤنا الأوروبيون. وأضافت ميركل أن مثل هذه الإشكالية توجد أيضا فيما يختص باتفاقيات الشراكة فى تصنيع الأسلحة وخاصة عند قيام الدولة الشريكة بتصدير السلاح..لأن ألمانيا لديها قواعد صارمة حيث لا تسمح بتصدير الأسلحة للدول التى بها نزاعات غير قانونية وفى هذه الحالة لن توافق ألمانيا وبالتالى سوف تصطدم مع الدولة التى تشاركها التصنيع. وبغض النظر عن نجاح أوروبا فى تخطى تلك الصعاب إلا أن هناك سؤالا بدأ يطرح نفسه فى الأوساط السياسية الألمانية عن الدافع وراء إصرار دول أوروبا على إنشاء جيش موحد فى ظل أن حلف شمال الأطلنطي «الناتو» ملزم بالدفاع عنهم حال تعرض أمنهم للخطر. ويقول المراقبون إن الاتحاد الأوروبي يمر الآن بلحظات ضعف وانكسار أمام إدارة ترامب الذى نجح بشكل أو بآخر فى توجيه ضربات متتالية قاسية أدت إلى ترنح هذا الكيان الضخم الذى أصبح قادته فى حالة ارتباك جعلتهم غير قادرين على رد هذه اللكمات الموجعة أو على الأقل تفاديها. ومن هنا كان لهم أن يتخذوا بعض الإجراءات فى مواجهة سياسة ترامب ويعلنوا من خلالها قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وأن لهم أنيابا من الممكن استخدامها وقت الحاجة..وأكد المراقبون أن فكرة الجيش الموحد بدأت فعليا بعد انسحاب ترامب من اتفاق باريس للتغير المناخي والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذى تم استغلاله لوقف أعمال جميع الشركات الأوروبية العاملة فى إيران مما تسبب لها فى خسائر ضخمة.. وكذلك قيامه بفرض عقوبات تجارية هددت اقتصاديات تلك الدول..وأيضا تراجعه عن الموافقة على البيان الختامى لقمة الدول السبع مهددا بحرب تجارية سوف تكون عابرة للقارات. وأشار المراقبون إلى أن إدارة ترامب غير مقتنعة بكيان الاتحاد الأوروبي وذلك فى إشارة إلى تصريحه الذى وصف فيه أوروبا «بالخصوم» وأيضا قوله بأن حلف الناتو قد عفى عليه الزمن..وهو الأمر الذى أكده أيضا أمين عام حلف الناتو ينسن ستولتنبرج فى تصريحه للصحف الألمانية بأنه لا توجد ضمانات حاليا تسهم في استمرار بقاء الحلف وذلك على خلفية الخلافات الأخيرة بين أوروبا وأمريكا وقال إنه ليس مكتوباً أن التحالف القائم عَبْر الأطلنطي سيستمر إلى الأبد. ولذلك نرى أنه من الطبيعي جدا أن تلجأ دول الاتحاد الأوروبى إلى التفكير جديا فى إنشاء جيش يستطيع فى وقت ما أن يكون بديلا لحلف الناتو وان يكون سندا لهم فى مواجهة السياسات الأمريكية التى تريد أن تنفرد باللعب على الساحة الدولية دون مشاركة أصدقائها الأوروبيين. أما عن نجاحها فى تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع فى ظل وجود عوائق دستورية وقانونية لبعض دول الاتحاد فهذا ما سوف يتضح خلال الشهور المقبلة.