التقت «الأهرام» بنزلاء «دار مسنين» بركة السبع الذين استقبلونا ببهجة، وقدموا الشكر ل «الأهرام» لأنها تذكرتهم وكأنهم يعيشون فى عالم آخر ولا يعرفون أحدا، فروى أحد المسنين حكايات من الزمن الجميل تكشف عن العديد من المآسى لهؤلاء الذين يعيشون فى عزلة بسبب جحود الأبناء والأقارب. فى البداية نشير إلى أن دار المسنين ببركة السبع تحتضن بين جنباتها 26 نزيلاً منهم 14 سيدة و12 رجلاً يخدمهم أكثر من 8 أفراد منهم 5 عمال وعاملات بالدار. بادرتنا الحاجة سعاد محمد صاحبة ال 73 عاما مفتشة تأمين صحى بالمعاش من طنطا بقولها إنها لم تجد مكانا يؤويها بعد أن تنصل لها إخوتها طمعا فى شقتها، فلجأت لسمسار عقارات تملك الجشع والطمع من قلبه وضحك عليها وتزوجها، ثم قام بسرقتها واستولى على كل ما تملك وطلقها وطردها، فلم تجد إلا دار المسنين لتبعدها عن طمع من حولها. وبعد أن أبكتنا بكلماتها، عادت بالذاكرة إلى الوراء وأخرجت لنا بعض صورها التى تعيش على ذكراها، وانبهرنا بصورة تجمعها بالسيدة الأولى لمصر فى سبعينيات القرن الماضى «جيهان السادات»، حيث كانت رئيسة جمعية قدماء المحاربين بالغربية آنذاك، بالإضافة إلى انضمامها لجمعية الهلال الأحمر وعضوة بالاتحاد الاشتراكى بالسبعينيات. وتقول الحاجة نعمات احمد من مواليد 1943 مقيمة بالدار منذ 3 سنوات كانت تعمل موظفة بجامعة القاهرة إنها منذ توفى زوجها وعلى الرغم من أن لها 3 أولاد من حملة المؤهلات العليا، فإنهم تنكروا لها بعد وفاة زوجها، فقررت تركهم والعيش وحيدة بدار المسنين. وبنبرة كلها أسي، أكدت نعمات أنها لم تتوان فى خدمتهم طول عمرها، ولكن فى النهاية تركوها ولا يزورها أحد منهم ولم يتذكرها أحد سوى أخوها بين الحين والآخر. وتلتقط الحاجة زينب حجازى 57 سنة أطراف الحديث لتروى قصتها، قائلة إنها أتت إلى الدار منذ 4 سنوات، فقد توفى زوجها الأول وترك لها ابنة صغيرة 6 سنوات وسهرت على تربيتها وعندما تزوجت تنكرت لها وتركتها تقابل مصيرا غير معلوم، وبعد دخولها الدار بسنتين تقدم لها أحد المسنين المقيمين بالدار وتزوجت منه على أمل أن تجد فيه العطف والحنان الذى فقدته بحياتها مع وعده بأن يعوضها عن مرار الايام، ولكن بعد فترة اكتشفت زيفه وخداعه لها، حيث كان يتسول على اسمها ممن يعرفهم وعلى الفضائيات ورجال الأعمال ليجمع الكثير من المال ثم طلقها وذهب دون رجعة، مما تسبب لها فى صدمة فقدت معها القدرة على النطق لفترة كبيرة، ولكن يأتى بصيص من الأمل لحياتها، متمثلاً فى أخيها الوحيد الذى يأتى لزيارتها على فترات متباعدة لتقول بكل حسرة: «أهو أحسن من مفيش». وتختتم الحاجة لطيفة على 67 عاما لقاءنا بنزلاء دار «مسنين بركة السبع»، وتقول: ابنها وأخواته البنات الثلاث طمعوا فى ورثها بعد وفاة زوجها، وخيروها بين أن تكتب ورثها لهم أو يتم طردها من البيت، وبعد أن رفضت إعطاءهم الورث سلطوا عليها زوجة ابنها التى أذاقتها مرارة الليالي، فنصحها أخوها بأن تبعد فترة بدار المسنين وهو الوحيد الذى يزورها ويحن عليها بعيدا عن عقوق الأبناء وأكدت أنها تشكر الله على نعمة دار المسنين التى وجدت معهم ما عجزت أن تراه مع عائلتها. وقبل ذهابنا تمنى النزيل أحمد حامد 66 عاما بأن يذوق أبناؤه ما يراه الآن، بعد أن تنصلت منه زوجته وأبناؤه بعد حادثة وقعت له وأحدثت له شللا، ليقضى بقية حياته على كرسى متحرك، مؤكداً أنه سعيد بوجوده بدار المسنين ليجد الرعاية الطبية اللازمة. وشاركه حسن عبد السلام 67 عاما حزنه، حيث أكد لنا أنه اتجه إلى دار المسنين نتيجة لهجرة ولديه وزواجهما من أجانب، وأنه لن يترك تراب مصر وتمنى ان يدفن فيها، مشيراً إلى أنهم طيبون وعند نزولهم مصر يجلس معهم إجازاتهم وبالرغم من سفر زوجته معهم للعلاج الا أنه مخلص لها ولم يفكر يوما بالزواج من أخري. وننتقل من النزلاء إلى أحد العاملين بالدار «إبراهيم م.» الذى بادرنا بأنه يتمنى زيادة راتبه الذى لا يتعدى 500 جنيه بعد استقطاع التأمينات، مطالباً بحقه فى التعيين الحكومي، حيث يعانى العمال معاناة شديدة مع المسنين الذين يحتاجون إلى معاملة ورعاية خاصة. وفى النهاية، يؤكد على الدغيدى مدير الدار أنه يبذل أقصى جهده للعمل على تحسين الحالة النفسية والصحية لنزلاء الدار، حيث تم التعاقد مع دكتور للمرور الدائم على النزلاء لمتابعة الحالة الصحية لهم وشيف متخصص للمطبخ لإعداد الوجبات الغذائية، مضيفاً أن الدار تعانى بعض المشاكل ويتمنى سرعة تدخل المسئولين للعمل على حلها، أهمها قلة العمالة حيث لا يوجد سوى 5 عمال منهم 4 حريم منهم 2 بحالة وضع وعامل فترة مسائية، ومخصصات الصيانة المالية، حيث لا يوجد عمال فنيون بالدار مما يعوق عملية الصيانة الدورية للمبني.