استكمالا لحديثنا عن أصول الدولة والعائد الاقتصادى وبعد ان تناولنا موضوعى الثروة المعدنية والهيئات الاقتصادية، نتناول موضوعا فى غاية الأهمية وهو الخاص بالمشروعات والشركات المشتركة والتى تعرف بأنها الشركات التى يسهم فيها المال العام المتمثل فى مختلف مؤسسات الدولة كالبنوك والهيئات الاقتصادية والشركات القابضة والتابعة والوزارات وغيرها، والخاضعة لأحكام قانون الشركات المساهمة والتوصية البسيطة وذات المسئولية المحدودة او قانون سوق رأس المال او قانون الاستثمار بالإضافة الى شركات قطاع الاعمال العام المقيدة بالبورصة، وهو التعريف الذى تبناه قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1962 الصادر فى سبتمبر 2017، وعلى الرغم من غياب الحصر الدقيق لهذه المشروعات فإن المؤشرات تشير إلى أنها قد وصلت الى 704 شركات فى نهاية 2013 برأسمال يبلغ 683 مليارا، ووصلت حصة المال العام فيها الى 6.44 مليار جنيه تتوزع على جميع قطاعات الاقتصاد القومى. مع ملاحظة ان هناك 210 شركات تزيد نسبة مساهمة المال العام فيها على 50% من رؤوس أموال هذه الشركات و469 شركة تقل مساهمة المال العام فيها عن 50%. هذا، وتسهم الشركات القابضة والتابعة لقطاع الاعمال العام، فى 287 شركة باجمالى استثمارات تصل الى 1.78 مليار منها نحو 6.5 مليار من الشركات القابضة و2.12 مليار للشركات التابعة مع ملاحظة ان هناك 26 شركة تصل المساهمة فيها الى اكثر من 50%، و54 شركة تتراوح مساهمتها بين 25% واقل من 50%، و115 شركة بين 5% واقل من 25% والباقى اقل من 5%، يضاف الى ما سبق المشروعات الاقتصادية بالمحافظات والتى يقدر عددها بنحو 2300 مشروع تعمل فى مجالات عديدة منها النقل والخدمات والأمن الغذائى وكان الهدف الاساسى من هذه الشراكة هو أن تعمل وفقا لقواعد الكفاءة والمحاسبة والجودة المتعارف عليها محلياً ودولياً، وهو مالم يتحقق إطلاقا، وظلت هذه الشركات تمثل عبئا ثقيلا على موازنة الشركات الأم ومن ثم الموازنة العامة للدولة، ولم تعد الفوائض المحولة للموازنة العامة من بعض هذه الجهات، تتناسب مع الأموال المستثمرة فيها، ومع ما تسهم به الموازنة فى هذه الجهات، وتشير الإحصاءات إلى ان اجمالى مايؤول للموازنة من الوحدات الاقتصادية بأكملها، قد انخفض من 7.2 مليار جنيه عام 2011/2012 الى 6.3 مليار عام 2016/2017 وفى مقابل ذلك ارتفع ماتتحمله الخزانة من 4.2 مليار الى 31 مليارا خلال نفس الفترة ليتحول صافى العلاقة من 2.91 مليونا إلى سالب 6.27 مليار جنيه، خاصة بعد ان تم ترحيل الحصة فى الأرباح لدى البنوك العامة الى حساب الاحتياطيات بهدف تدعيم رءوس أموالها، وهكذا ألقت هذه المشروعات والشركات بعبئها الكامل على الموازنة، وهذه المساهمات تدخل فى نطاق الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، وهى تختلف بطبيعتها عن تلك المملوكة للدولة ملكية عامة، فالثانية تكون مخصصة للنفع العام ولا يجوز الحجز عليها ولاتملكها بالتقادم او وضع اليد وخاضعة للقانون الادارى وتكتسب هذه الملكية بمقتضى القانون قرارات وزارية او جمهورية، اما الأموال الخاصة فهى تحكمها قواعد القانون المدنى مثلها مثل الأفراد، مع حمايتها من التعدى عليها، وبالتالى فاذا اردنا التصرف فى المال العام فيجب أولا تجريده من صفته العامة وتحويله الى الملكية الخاصة، وهنا يجوز التصرف فيه بجميع أنواع التصرف أسوة بالمال الخاص. من هذا المنطلق صدر القانون 114 لسنة 2017، بشأن قواعد وإجراءات التصرف فى أملاك الدولة الخاصة، كما صدرت عدة قرارات وزارية لتنظيم هذه المسألة منها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 18 لسنة 2017، وكذلك القرار رقم 1994 لسنة 2017 والخاص بتنظيم عملية التخلص من هذه المساهمات، ثم قرار وزير قطاع الأعمال العام رقم 46 لسنة 2018، بشأن قواعد التصرف فى مساهمات الشركات القابضة والتابعة الخاضعة لوزارة قطاع الاعمال فى الشركات المشتركة، وتظل المشكلة فى تقييم هذه الأصول وآليات التخلص منها، وقد ناط القانون بمهمة التحقق من صحة إجراءات وقواعد تقييم الأصول والخطوط الإنتاجية والشركات بلجنة مشكلة من خبراء وممثلى جهات محددة، وبرئاسة عنصر قضائى ولها الاستقلالية والحيدة وتنتهى إلى قرار يتم اعتماده من الوزير المختص. وتراعى هذه اللجنة جميع الأسس والاعتبارات والأوضاع القانونية والالتزامات والحقوق، وتطبق القواعد التى تتفق مع كل حالة. ووفقا لقواعد أساسية تتمحور حول موافقة مجلس إدارة الشركة القابضة على طرح الشركة للبيع طبقاً للخطة المقررة سواء كان البيع كلياً أو جزئياً. وإعداد تقييم للأصل أو الشركة إما بمعرفة الشركة القابضة وإما بالاستعانة بأحد مكاتب الخبرة الاستشارية فى هذا المجال.ويتم التحقق من صحة إجراءات وقواعد التقييم بمعرفة لجنة تشكل بقرار من الوزير المختص وعضوية مجموعة من ذوى الخبرة الاقتصادية والمحاسبية والقانونية والفنية، وممثل عن المؤسسين أو المسهمين يختاره مجلس إدارة الشركة، وممثل عن كلٍ من وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الادارية. وعلى الرغم من هذه الإجراءات التى تضمن الشفافية الكاملة فى هذه العملية فإنها يؤخذ عليها كثرة التعديلات التى أدخلت عليها وكثرة التعليمات والقرارات المتعلقة بها، هذا ناهيك عن تأثير بعض هذه القرارات على دور الجهاز المركزى للمحاسبات كمؤسسة فى إحكام رقابته على عمليات البيع وكذلك القرار الوزارى والذى جعل المعيار الاسترشادى عند تقييم اسهم الشركات هو الاخذ بمتوسط سعر الإقفال فى البورصة خلال الأشهر الثلاثة السابقة على الطرح، شريطة إن تكون مجموعة الاسهم التى تنطبق عليها هذه القواعد من الاسهم النشيطة. إذ إن هذا القرار سوف يؤثر بالسلب على القيمة البيعية للسهم، طالما كان المعيار الاسترشادى هو الأخذ بمتوسط الاسعار المتداولة بالسوق والتى لاتعبر دوما عن القيمة العادلة. فى هذا السياق ايضا تطرح مسألة التقييم نفسها على الساحة بعد ان ازدادت الانتقادات الموجهة لأساليب ونتائج التقييم التى يتم التوصل اليها عند طرح الشركات. والملاحظ هنا أن النقد يكون أحيانا بالمغالاة فى التقييم او العكس. عموما فان المسألة أضحت من الأهمية بمكان وأصبح التحرك نحو إصلاح هذه الكيانات او التخلص منها، ضرورة قصوى ويحتاج إلى سلسلة من الإجراءات والسياسات تتفاعل مع بعضها البعض وتتناول كل جوانبها لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى