«هاني».. ذلك الشاب الذى كان طالبا بكلية التجارة بجامعة الاسكندرية منذ عشرين عاما.. وكان كثيرا ما يجلس وسط اصدقائه يسرد لهم احلامه بأن يكون من أفضل رجال الاقتصاد.. حيث درس بينهم وتفوق ليتخرج فى الجامعة و يلتحق بالعمل بكبرى الشركات المصرفية العاملة فى مجال البورصة ولم يتوقف طموحه بل قرر استكمال دراسته العلمية بحثا عن تحقيق حلمه والعمل بجهد داخل الشركة لتمر السنوات لترسم خلال عشرين عاما رجلا جديدا يقترب من الثالثة والاربعين عاما نجح فى تكوين اسرة صغيرة ورزقه الله بطفلتين ونجح فى الحصول على ماجيستير فى الاقتصاد وارتقى فى شركته الاقتصادية ليشغل منصب مراقب عام، ولكن الطموحات تبدلت والطموح الاكاديمى والعلمى توقف واصبح الطموح المادى والرغبة فى اقتناء سيارة فاخرة وشراء فيلا وتأمين مستقبله المادى هو الطريق الاوحد لدى ذلك الرجل. وفجأة تبدلت طموحاته ودفعته فى جلسة مع عدد من اصدقائه الى بداية طريق النهاية لحياته ومستقبله. وكانت بداية النهاية خلال جلسة مع عدد من الاصدقاء منذ ثلاث سنوات حيث شرعوا فى تبادل الحديث عن الفرص الحقيقية الموجودة فى الاستثمار والمكاسب التى تتعدى فوائد البنوك، متحدثا استنادا الى خبرته الاقتصادية بان البنوك تكسب من المودعين مكاسب غير طبيعية و تعطيهم القليل وان تلك الفائدة البنكية السنوية البالغة 15% تستطيع تحقيقها فى شهر واحد. ويبدو ان شهوة المال اسالت لعاب الاصدقاء على تلك المكاسب الخيالية.. كيف يكسب مليون جنيه، مبلغ 920 الف جنيه خلال عام واحد لتبدأ رحلة البحث عن المال والمكاسب. ويبدأ ذلك الرجل الذى يثق فى قدراته الاقتصادية فى العمل فى توظيف الاموال ليخرج من عالم العلم والدراسة والشركات المحترفة الاقتصادية الى سوق يحمل متغيرات وتعاملات مع افراد ويبدو ان هيئته الاجتماعية ووظيفته اعطت الثقة فى المتعاملين معه ليبدأ بمئات الالاف من الجنيهات من الاثرياء ورجال الاعمال واصدقائه من اصحاب الاموال من العاملين فى التجارة وتجارة السيارات والذين لم يكتفوا فقط بالتعامل باموالهم، بل حولوا دائرة علاقاتهم من التجار و المواطنيين الى زبائن لدى هذا المتهم، مقابل اتفاقهم معه على النسبة المرتفعة 10% وتقليلها لدائرة علاقتهم للاستفادة من هامش الربح الاضافي، متخيلين انهم يقدمون مكاسب لانفسهم واصدقائهم، لتتحول تلك الجلسة التى كان قوامها ثلاثة اشخاص الى عشرات و تتحول بعد ذلك الى مئات الالاف وفى النهاية الى 80 مليون جنيه استولى عليها المتهم الباحث عن المال. وخلال العامين لم تكن هناك مشاكل فالاموال الموظفة ليست بالحجم الكبير الا انه خلال العام الماضى بدأت مشكلات السداد وبدلا من مواجهة الامر بدأ فى التفاوض مع عملائه بزيادة نسبة الفائدة عن مطالبتهم بأصل المبلغ منتظرا المنحة الالهية بأن تأتى مضاربة فى البورصة تحقق له كل الفوائد المرجوة لاستمرار حلمه. ولم يكن يدرى انه يزيد من تعقيد المشكلة حتى جاءت اللحظة التى انهار فيها وقرر الاعتراف بانه لا يملك العبقرية الاقتصادية ولا الخبرة العلمية ولا الابداع لتحقيق الحلم المادى وانه اضاع كل شيء.. امواله و اسرته ووظيفته و قرر المواجهة. فقد ذهب الى مديرية امن الاسكندرية متوجها الى قسم مكافحة جرائم الاموال العامة و امام العميد سعيد يوسف مدير المباحث، جلس الشاب يسرد قصة حلمه الذى تحول الى كابوس وانه استولى على 80 مليون جنيه بزعم توظيفها فى البورصة وانه قرر تسليم نفسه للشرطة لان السجن هو المصير الذى يستحقه، وان خشى على نفسه واسرته فمن المودعين وضحاياه لانه يعلم بانه بمجرد علمهم بضياع الاموال من الممكن قتله او خطف اسرته. وسرد المتهم ان عمله بكبرى الشركات العاملة فى البورصة اتاح ثقة المودعين فيه وانه كان يقابل عملاءه فى اماكن عامة ولم يفتتح اى مقارات لعمله وانه حاول الاتجار فى الهواتف المحمولة لتعويض الخسائر الا ان الامر لم يكن كافيا فى ظل تراكم الفوائد، فتمت احالته الى نيابة الشئون المالية والتجارية التى قررت حبسه اربعة ايام على ذمة التحقيق بتهمة توظيف الاموال وامرت بتحريات المباحث الجنائية.. حيث امر اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام بتشكيل فريق بحث باشراف اللواء محمود ابو عمرة مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام لسرعة الوصول الحقيقة، حيث كشفت التحريات باشراف اللواء شريف رءوف مدير مباحث الاسكندرية ان المتهم تلقى 80 مليون جنيه من 20 شخصا وانه كان يقدم له فائدة من 10 الى 15% شهريا و انه تعثر و امتنع عن السداد وفور استدعاء الضحايا وسؤالهم، تعددت البلاغات التى تلقاها قسم مكافحة جرائم الاموال العامة باشراف اللواء اللواء محمد الشريف مساعد وزير الداخلية ومدير امن الاسكندرية خلال يومين فقط لترتفع حصيلة الاموال التى تلقاها المتهم الى اكثر من 80 مليون جنيه، وقام بإسدال الستار والنهاية على حياته الشخصية واسرته و اسر الضحايا الذين ضاعت اموالهم فى سراب الثراء السريع.