فناء مرصوف محاط بقليل من الأشجار، وبعض البالونات الملونة، وباقة ورد حمراء، فتاة تمشى بين جموع الطلاب فى انتظار المجهول المرتقب، وهذا شاب مشبع بعبق الدراما المصرية يحمل خاتما فى علبة زرقاء قطيفة ويخفيه خلف ظهره ثم يظهر فجأة أمام فتاته فينحنى على احدى ركبتيه ويطلب منها الإرتباط أمام الجميع فيعتريها صمت الرضا وتلونها حمرة الخجل، ثم تنتقل نجوم السعادة من أحداق عينيها إليه فيصاب بعدوى الإنتشاء ويقف ليأخذها بين ذراعيه وكأنهما سوف يحلقان إلى السماء، وتلتف حولهما كاميرات الهواتف المحمولة وينطلق الجميع لتوثيق هذا المشهد على مواقع التواصل الإجتماعى وكأنه سبق صحفى فى الثلاثينيات! هذا المشهد يتكرر بين أروقة الحرم الجامعى، العام السابق فى جامعة طنطا وهذا العام فى جامعة المنصورة، أما أبطال طنطا فقد عوقبا بالحرمان من امتحان مادة أوالفصل لمدة شهر، بينما طالب حقوق المنصورة وطالبة الأزهر فقد هاجت الدنيا وماجت عليهما وقرر المجلس التأديبى فصل الطالبة نهائيا فضلا عن الفضيحة المدوية لهما، ثم تدخل شيخ الأزهر مشكورا مطالبا المجلس بإعادة النظر فى العقوبة وتخفيفها حفاظا على مستقبل الفتاة. مما لا شك فيه أن فعل الحضن هذا غير لائق لا بالمكان ولا بالأشخاص، ولكن قبل أن تتغذى على فضائحهم برامج الفضائيات التى أصبحت تستقى موادها من السوشيال ميديا، وقبل نظر السادة أساتذة الجامعة الى كراسيهم والتشبث بها والبحث دائما عن قرارات استسهالية للخروج من المأزق! عليكم أولا أن تأخذوا بعين الإعتبار أنهم فى طور المراهقة لم يتموا سن الرشد فمازالوا فى سنة أولى جامعة، ثانيا عليكم أن تحاكموا صناع الدراما الذين يصدرون هذا المشهد الرومانسى فى كل البيوت فيترسخ فى ذاكرة المراهقين ويتمنى كلا منهم أن يصبح بطلا لهذا المشهد، ثم هل يتم عقاب المتحرشين داخل أروقة الجامعة بنفس السرعة والدرجة وكل هذه الشوشرة؟ وماذا عن ملايين الشباب الذين يستخدمون الإنترنت فيرتطم بأعينهم سيل من الأخبار على طريقة « قالت دراسة أمريكية حديثة إن الحضن يقوى جهاز المناعة»، وصرحت الدكتورة فلانة بأن «الحضن يعمل كمضاد للإكتئاب ويساعد على افراز هرمون السعادة» وموقع اخبارى آخر يؤكد على أهمية الحضن فى تخفيف الآلام!! فأين الرقابة على كل تلك السموم التى تبث للمراهقين وبدلا عن كم الكوارث التى تحدث فى المرحلة الجامعية ما بين زواج سرى وتحرش وتناول المخدرات وهو نتيجة طبيعية للإلتقاء المفاجىء بين الشباب والفتيات بعد سنوات طويلة من الكبت والعزل، علموهم كيفية التعامل مع الجنس الآخر وما هى آليات هذه المرحلة. نهاية فالكل مذنب بدءا من الأسرة والمدرسة وصولا الى مراكز البحوث الإجتماعية ولن ننسى الدراما والإعلام فقبل أن تعاقبوهم أهلوهم واحتضنوهم.. فيا أيها السادة المتحزلقون من كان منكم بلا خطيئة فليرجمهم بحضن! لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز