نجح البعض في تجنيب الرأي العام من مناقشة مبدأ المنع المطلق لاستخدام الميكروفون خارج كل المنشآت، بما فيها المساجد، كشرط لازم لتحقيق الهدوء والسكينة! وذلك مع وجوب الإقرار بحقيقة أن ظاهرة الضوضاء الكارثية التي تضرب عموم البلاد، تشترك فيها عوامل أخري غير الميكروفون، وأن المساجد لا تنفرد وحدها باستخدامه، وإنما صارت تحتل الصدارة لأن رجال الدين يتصدون بكل قوة لمن يتقدم بهذا الاقتراح يبغي المصلحة العامة، ولا يمسّ الدين من قريب أو من بعيد، ولا يقترب من الممارسة الشرعية للشعائر. لأن الميكروفون أصلاً اختراع حديث لم يعرفه العالم قبل 1887، أي بعد قرون من أقصي مد وصل له الإسلام والمسلمون ونجحوا دون ميكروفون في نشر الدعوة وفي فرض حكم المسلمين علي أقاليم بعيدة. بل إن المفارَقة أن اختراع الميكروفون تزامن مع عصر تدهورت فيه المجتمعات الإسلامية وخارت قواها وخضعت للاستعمار الأجنبي ووقعت جميعاً بلا استثناء تحت جبروت الحكم المستبد، ولم ينجح الميكروفون في التصدي لا للاستعمار ولا للاستبداد، بل كثيراً ما ساعد علي دعمهما ضد مصلحة عموم المسلمين في تلك المجتمعات. يتكرر هذه الأيام الكلام نفسهه الذي كان دائراً قبل أكثر من عشر سنوات عن وجوب توحيد الأذان، وهي محاولات فشلت تماماً، وليس هنالك أمل جاد في إمكانية تنفيذها. مما جعل من الضروري أن تُنزَع القداسة التي يفرضها البعض علي استخدام الميكروفون في رفع الأذان وفي إقامة الشعائر، والتي لا يقبلون فيها أي مناقشة، بل وقد يتساهلون في توجيه تهمة الكفر لمن يتجاسر بالاعتراض أو حتي بالتحفظ، ويُترَك لمصيره مع البسطاء الذين يدورون في فلك فتاوي يعترف كثير من رجال الدين بأنها انفلتت وتعارضت مع صحيح الدين. لقد وصلت الضوضاء إلي حدود الخطر علي الأفراد وعلي إنتاجية المجتمع، وصارت تبعاتها تتجلي في عصبية الرضع من قلة النوم الصحي، وبات علي الدولة أن تتخذ إجراءات عملية لإلغاء الميكروفونات تماما من كل المنشآت كخطوة أولي يجب أن تكون في إطار خطة متكاملة. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب