فى زيارة لم يعلن عنها مسبقا توجه الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون لزيارة الصين تلبية لدعوة من نظيره الصينى شى جين بينج للمرة الرابعة منذ توليه السلطة فى بلاده خلفا لوالده عام 2011. ومع أن تحركات الزعيم الشاب تحظى عادة باهتمام ومتابعة عالمية ليس فقط لندرتها ولكن وهذا هو الأهم لخطورة الملف النووى فى شبه الجزيرة الكورية، فقد كان لهذه الزيارة وقع خاص فى أوساط المراقبين نظرًا لتوقيتها وارتباطها بالتكهنات المثارة حول إمكانية عقد لقاء قمة ثانية مرتقبة بين الزعيم الكورى الشمالى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب رغم الغموض الذى يفرضه الطرفان على ذلك. ومع أن عنصر المفاجأة كان حاضرًا دائما خلال زيارات الزعيم الكورى الشمالى للصين، وهو ما انطبق على الزيارة الأخيرة التى لم تكن استثناء من القاعدة، الا أن تواتر الزيارات خلال الفترة الماضية يعد مؤشرًا ليس فقط على عمق العلاقات بين كوريا الشماليةوالصين، ولكنه أيضا يعد مؤشرا على أن هناك مصلحة متبادلة بين الطرفين فى التنسيق بينهما فى بعض الملفات المهمة. والدليل على ذلك أن كيم لم يلتق رئيس الصين خلال الست سنوات الأولى من حكمه، ولكنه سافر إلى الصين ثلاث مرات خلال العام الماضى فقط، واستهل العام الجديد بالتوجه إلى بكين بالقطار ترافقه زوجته رى سول جو وعدد من كبار المسئولين الحكوميين. وهنا يشير المراقبون إلى أن توقيت الزيارة الذى جاء بعد احتفال كيم بعيد ميلاده الخامس والثلاثين رغم عدم تأكيد السلطات الكورية الشمالية ذلك، وبعد فترة وجيزة من خطاب كيم فى العام الجديد الذى حمل العديد من الرسائل للداخل والخارج خاصة للولايات المتحدة، وأيضا فى وقت يحاول فيه المفاوضون الأمريكيون والصينيون الخروج من معضلة الحرب التجارية بينهما، فرض على الجميع ضرورة الانتباه لما تحمله من مؤشرات ربما ستلعب دورًا خلال المرحلة المقبلة، وذلك رغم بيانات الترحيب الرسمية من قبل الأطراف الدولية التى حملت قدرًا واضحًا من التفاعل الإيجابى مع هذه الزيارة. ولعل الرسالة الأساسية للزيارة التى اتفق عليها الجميع أنها كانت موجهة فى الأساس للولايات المتحدة ومضمونها أنه رغم العقوبات والحصار الدولى فإن كوريا الشمالية مازالت تحظى بحليف قوى هو الصين، حيث اعتبر المحللون أن هناك حرصا واضحا ورغبة أكيدة من قبل النظام فى بيونج يانج لإطلاع العالم على علاقته الوثيقة بالصين، وعلى تذكير إدارة ترامب أن لديه خيارات دبلوماسية واقتصادية أخرى ربما تفوق فى أهميتها علاقته مع أى لاعب دولى آخر بما فى ذلك واشنطن وسول. وهو أمر ليس مستغربا فطالما اعتبرت الصين الحليف الدبلوماسى والتجارى الرئيسى لكوريا الشمالية ومصدرها الأساسى للمساعدات والتبادل التجاري، ومن وجهة النظر هذه فإن وجود علاقات وثيقة مع بكين يمكن أن يساعد بيونج يانج فى الضغط على الولاياتالمتحدة للتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وعلى ضمان الخروج بنتائج جيدة فى المباحثات المحتملة القادمة مع ترامب. وهنا يشير بعض المحللين إلى أن هذا التنسيق فى الاستراتيجيات والمواقف بين كوريا الشماليةوالصين قبل أى لقاء قمة محتمل بات أمرا معتادا فنظام كيم يسعى لمزيد من الانخراط الدولي، بينما ترى الصين فى هذه الزيارة أيضا فرصة لتذكير الولاياتالمتحدة التى تتنازع معها تجاريا أنها تلعب دورا وتملك أوراقا مهمة فى محيطها الإقليمى لا تستطيع الولاياتالمتحدة أن تغفلها. وهى رسالة بالغة الوضوح للولايات المتحدة، التى سبق ان أكدت على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو أهمية الدور الذى تلعبه الصين فى الملف الكورى الشمالى مشيرا إلى أنه لايعتقد أن الخلاف التجارى بين بلاده والصين يمكن أن يؤثر على هذا الدور. لقد أجمع المراقبون على أن التقارب مع الصين فى الوقت الحالى والخطاب الذى وجهه الزعيم الكورى الشمالى لمواطنيه بمناسبة السنة الجديدة، وتحذيره للولايات المتحدة من أنه قد يسلك نهجًا مغايرا إذا لم تخفف واشنطن العقوبات والضغوط على بلاده رغم التقارب الدبلوماسى الذى حدث بينهما عقب القمة التى جمعتهما فى سنغافورة فى يونيو الماضي، ربما يثير بالفعل قلق الإدارة الأمريكية. فالخطاب رغم أنه لم يحمل مفاجآت وتناول التزامه باقتصاد اشتراكى مستقل فى إطار خطته للتنمية لتوفير احتياجات المواطنين، أكد أيضا أن الخطوات التى ستتخذها واشنطن فى العام الجديد ستكون فارقة فى أى تطور تشهده العلاقات بين البلدين سلبيا أو ايجابيا. كما أن إشادته فى خطابه بالصين لدعمها علاقات الصداقة والتعاون مع بلاده تعد إشارة من وجهة نظر هؤلاء إلى محاولة بيونج يانج الاستفادة من المعارك التجارية القائمة بين الصين والغرب. أما حديثه عن الشطر الجنوبى والتطور الحادث فى العلاقات بين الكوريتين، واعتباره ذلك طريقا لبناء الثقة والمصالحة فيعد استمرارا لخطوات التقارب مع سول. ومن هذا المنطلق فإن بيونج يانج تحاول التحرك على أكثر من جبهة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية عليها من جهة ولتعزيز التعاون مع محيطها الإقليمى من جهة أخري. وهى جهود قد تؤتى ثمارها عاجلا أو آجلا خاصة أن ترامب ذكر فى وقت سابق أن الطرفين يتفاوضان حاليا حول مكان عقد القمة الثانية المرتقبة ولكنه رفض الرد على سؤال يتعلق بموعد عقدهافهل كانت هذه الزيارة خطوة فى هذا الطريق؟ هذا ما ستكشف عنه التطورات اللاحقة.