هل يجب أن تكون مدرسة ابنك على قدر إمكاناتك أم أمانيك؟ وهل من المنطقى أن تستدين وتحصل على قرض من البنك لتدفع قسط المدرسة أو الجامعة الخاصة او للإنفاق على الدروس الخصوصية؟ فى مصر مهما تكن الأعباء التى تنوء بها الأسرة أو الحالة التى يمر بها الوالدان فهما مستعدان للتضحية بأى شىء مقابل أن يحصل الابن او البنت على تعليم جيد حتى لو كان ذلك معناه حرمانا من أى متعة او ترفيه وربما من الطعام نفسه. وهو كما وصفه شيخ التربويين د.حامد عمار إنفاق هائل وعائد هزيل زاد الإنفاق وزادت الأعباء على الأسرة المصرية حتى أصبح إجمالى ما تنفقه على الدروس الخصوصية وحدها 17 مليار جنيه سنويا بمعدل 42% من إجمالى إنفاقها على تعليم أبنائها وفقا لآخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء, وأصبحت الدروس الخصوصية هى التعليم الموازى. كما أصبحت مراكزها هى المدرسة البديلة. لكن ماذا بعد أن يتخرج ابنك من المدرسة الخاصة أومن الجامعة الخاصة؟ السيدة أمل وزوجها موظفان فى إحدى المصالح الحكومية، كرسا حياتهما بالكامل من أجل تعليم الابن الأكبر وضمان دخوله مدرسة خاصة بمصاريف مرتفعة حتى درس هندسة السيارات فى إحدى الكليات الخاصة.. سنوات طويلة من التعب والشقاء والعمل فى أكثر من وظيفة والتقتير على أنفسهم حتى تخرج الولد وجرى البحث عن وظيفة محترمة يشترط أن تكون فى إحدى الشركات او توكيلات السيارات الكبرى بما يليق ويعوض تعب الأبوين، وهو ما لم يحدث. لم تقبل الأم ولا الأب اقتراح الابن بأن يفتح ورشة مع زميل له على الطريق، وكانت كلمات الأم حاسمة: لم نربّه وننفق عليه كى يعمل ميكانيكيا «ما كان أحسن لو دخلناه مدرسة حكومة وأخد دبلوم وبقى ميكانيكى وخلاص». مازالت السيدة أمل تواصل مسيرة التقتير والحرمان مع ابنها وابنتها الصغرى من أجل مصاريف المدرسة الخاصة والدروس الخصوصية، فتعليم الأبناء مسألة حياة أو موت لا يمكن التنازل فيها ولو جاءت على حساب كل شىء آخر. «المهم يتعلموا كويس».. هكذا يقول «جمال» هو موظف بسيط يعيش فى منطقة فيصل وهو أب لثلاثة أطفال جميعم فى مدارس خاصة, حصل على قرض من جهة عمله يسدده على خمس سنوات بقيمة 20 ألف جنيه ليدفع مصاريف الدروس الخصوصية لابنه الطالب فى الصف الثالث الثانوي.. يأمل أن يلتحق الولد بكلية جيدة تؤهله لوظيفة جيدة حتى وإن كان معنى ذلك أن «يدفع دم قلبه» على تعليمهم فى مدرسة تفوق إمكانياته لكن «كله يهون عشان المستوي».. كما يقول. أما السيدة نجوى فهى أم لولد وبنت وتسكن فى منطقة وسط البلد، يذهب أغلب دخلها وزوجها على أقساط المدرسة الخاصة التى تبلغ كثافة الفصل فيها 40 طفلا، وعندما اقترحت عليها جارتها أن تلحق ابنيها بالمدرسة التجريبية القريبة من المنزل حتى لاتكون مضطرة لدفع مصاريف «الباص» على الأقل، وترتاح من المصاريف، كان الرفض قاطعا والمسألة محسومة: «أعيش مديونة وأولادى يتعلموا كويس». بالنسبة للدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع فالإنفاق على التعليم مفهوم تماما وهم ليسوا استثناء، فأغلب الأسر وفى كل المجتمعات مستعدة للتضحية بأى شىء من أجل ضمان تعليم أفضل لأبنائها حتى لو جاء على حساب سعادتها، وهذا هو الدور المتوقع منهم ومسئوليتهم أيضا، وتوفير فرصة تعليم أفضل للأبناء تضمن لهم فرصا أفضل فى العمل والترقى الاجتماعي، عموما.. وما زالت ترى أن إنفاق الأسرة المصرية على التعليم عقلانى ورشيد، حتى لو كان أكبر من إمكانيات الأسرة، فهو فى النهاية حق للأبناء وواجب على الأسرة، كما أنهم مضطرون لذلك بعد أن أصبح اسم المدرسة ونوع التعليم شرطا أساسيا فى التوظيف وحتى فى الزواج. اما د.بثينة عبدالرءوف الخبيرة التربوية فهى ترى أن نظرة المصريين لتعليم أبنائهم لم تتغير ولم تتبدل فهو أولوية مطلقة منذ بداية القرن الماضي، فقد كان هو وسيلة الترقى الاجتماعى .. الفارق أن الأسرة المصرية لم تعد تبحث عن التعليم نفسه بل عن نوع التعليم، ولم يعد الهدف هو أن يتعلم الولد، ولكن اختلط الأمر بنوع من التفاخر الاجتماعى وتم إفراغ التعليم من هدفه وغرضه الأساسي، وأصبح المهم هو اسم المدرسة التى يتخرج منها الابن او البنت حتى الدروس الخصوصية تحولت الى ما يشبه الموضة ونوعا من الإحساس بالذنب والخوف من التقصير من جانب الآباء والأمهات. أما من حيث المستوى فأغلب أوائل الثانوية العامة من المدارس الحكومية، وتتساءل الخبيرة التربوية: ما الهدف من المدرسة الخاصة او اللغات إذا كانت الأسرة تدفع أرقاما فلكية فى الدروس الخصوصية، وما هو تأثير ذلك على الابن او البنت إذا شعر بالدونية لأنه أقل من زملائه.. الأفضل أن يدخل الابن مدرسة على قدر إمكانيات أهله ودون إرهاق للأسرة التى تستطيع أن تستبدل بالمجهود المادى مجهودا تربوى وتقويميا أكبر لأبنائها كما أن سباق التعليم الأفضل سباق لا يمكن الفوز فيه لأن أنواع التعليم تعددت، وهى مكلفة جدا، والحل هو عودة التعليم الموحد لكل المصريين..