ما شهدته مصر خلال الأيام الماضية التى واكبت الاحتفال بيوم ميلاد السيد المسيح كان القول الفصل فى معركة الوطن مع الفتنة بين عنصرى الأمة التى لا يعود انطلاق شرارتها الأولى كما يظن البعض إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، بل تعود جذورها إلى أزمنة سحيقة تبدأ من عام 1321 فى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون. ولنكن صرحاء حين نعترف بأن كلمات المواساة المتبادلة بين الأقباط والمسلمين فى ضحايا أحداث الفتنة والإرهاب، والتهانى المتبادلة بين الطرفين فى الأعياد الدينية كانت هى الأثر الوحيد المتبقى عاكسا التسامح الدينى الذى يمارسه السواد الأعظم من هذا الشعب. لكن منذ السبت الماضى أخذت العلاقة بين إخوة الوطن منحى تاريخيا يعكس عظمة ورقى هذا الشعب، فالشيخ سعد عسكر مؤذن الجامع المجاور لكنيسة عزبة الهجانة بمدينة نصر كان بإمكانه أن يتهاون وألا يخاطر بحياته بالإسراع بإبلاغ أجهزة الأمن عن وجود قنبلة أعلى الجامع موجهة نحو الكنيسة، لكن كما تعلمنا أن الانتحارى لا توقفه قوة ما دام قد عقد العزم على فعلته، فالوطنى لا يمنعه إلا الموت عن حماية وطنه ومقدراته. الشيخ سعد تجاوز التعاطف التقليدى (المعلب) الذى غلف العلاقات بين عنصرى الأمة وانطلق بها إلى آفاق أسمى ترسخ المصير الواحد (نموت معا أو نعيش معا). وما حدث فى اليوم التالى بالعاصمة الإدارية الجديدة كان الإعلان النهائى عن انتصار مصر فى معركة الفتنة بين عنصرى الأمة، فصوت أذان مسجد الفتاح العليم تداخل مع قرع أجراس أكبر كاتدرائية بالشرق الأوسط ليس فقط إيذانا بافتتاح الصرحين الكبيرين ولكن الأهم توجيه رسالة للقوى الظلامية ومن يقف وراءها بأن مصر نفذت بنجاح عبورا جديدا نحو دولة التسامح والرقى ومهما يحاول هؤلاء فإن عبثهم لن يزيد على كونه نقرا فى جبل شامخ. [email protected] [email protected] لمزيد من مقالات شريف عابدين