احتفل الأقباط الأرثوذكس المصريون مساء أمس بليلة عيد الميلاد المجيد، وأقيمت قداسات العيد فى جميع كنائس مصر من شمالها إلى جنوبها، وفى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة ترأس قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية صلاة قداس العيد وشاركه فى الصلاة عدد من الأساقفة والكهنة والشمامسة والمرتلين، وحضر قداس العيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لتهنئة الاقباط والبابا تواضروس بالعيد، كما شارك عدد كبير من الوزراء والسفراء ورؤساء الأحزاب ونواب البرلمان، وقد حرص البابا تواضروس فى بداية عظة الميلاد التى حملت عنوان (جاء حبا) على توجيه التحية لشهداء الوطن . وأضاف البابا فى عظته قائلًا: لقد صارت الإنسانية محاصرة بالخطايا والمخاوف والقلاقل والاطماع والجشع وحب الذات وانتشار الاخبار السيئة من ادمان ومخدرات وإباحيات وإلحاد وانكار الخالق بصور عديدة . استعدادات مكثفة لإقامة قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية وحقا «الجميع أخطأوا واعوزهم مجد الله» رومية ( 3 : 23 ) لقد انهارت «إنسانية الإنسان« بسبب فساد الطبيعة البشرية، وبدأ يجف الإنسان من الحب الحقيقى الذى هو وقود الحياة الإنسانية كما أرادها الله . ومعلوم عند علماء الاجتماع أن للإنسان حاجات اساسية بيولوجية ونفسية وعقلية وروحية، ويقف على قمة هذه الحاجات حاجته إلى الحب need for love، لكن من أين يأتيه هذا الحب ؟! وقد جف القلب بسبب الخطية وتأثيراتها. ورويدا رويدا صار الإنسان جائعا إلى الحب أى Hungry for love . وجاء ميلاد السيد المسيح حاملاً الاخبار السارة لكل إنسان «هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» ( يوحنا 3 : 16 ) لقد ظل الله فى عصور ما قبل الميلاد يبحث عن الإنسان بلطف وحنان وبحب وعلى مدى الاجيال ارسل انبياءه ورسائله ونصائحه وتحذيراته التى نقرأ عنها كثيرا بين صفحات اسفار العهد القديم، إلى ان جاء «ملء الزمان» (غلاطية 4:4 ) وقال البابا : وأراد الله ان يتواصل مع الإنسان بنفسه وأصبح واحدا معنا، عمانوئيل الله معنا. لم يرسل ملاكاً ولا رئيس ملائكة ولا نبياً ولا رجل سياسة ولا سفيرا . كاتدرائية ميلاد المسيح لقد جاء بنفسه لأنه يحب الإنسان ليس بالكلام لكن بالفعل. ولذا ليس عجباً أن يقال إن المحبة ولدت يوم ميلاد المسيح حيث صار الحب الذى يحتاجه الإنسان حاضرا بيننا. وعاملا بيننا ليشبع جوع الإنسان الشديد لكى يعود إلى إنسانيته التى تغرب عنها بالخطيه والشر. وأضاف البابا : يقول القديس غريغوريوس النيصى «هذا هو سبب وجود الله متجسدا بين الناس كانت طبيعتنا مريضة وفى حاجة إلى طبيب. الإنسان سقط، واحتاج إلى من يقيمه. الإنسان الذى توقف عن عمل الصلاح احتاج إلى من يعيده اليه. الإنسان الذى اغلق عليه فى الظلام احتاج إلى حضور الحياة» هكذا احب الله العالم من خلال ميلاده وتجسده . لقد أظهر حبه إلى الجميع ... إلى القرية الصغيرة فى بيت لحم اليهودية... إلى الرعاة المنسيين وسط زحام البشر .. إلى المجوس الغرباء القادمين من اقصى الشرق ... إلى العذراء اليتيمة والفقيرة .. إلى الشيخ الوقور يوسف النجار، إلى العجوز المترملة حنة النبية وهى تعيش على رجاء ... وأكد البابا ان المسيحية ليست ديانة تبحث عن الله، وليست اكتشافاً بشرياً وليست نصائح سارة أو نظريات جميلة.. انها إعلان الأخبار السارة عما فعله الله فى شخص السيد المسيح ليقدم ما يحتاجه الإنسان الجائع والضائع فى متاهات الحياة . أى يقدم الحب الغافر الذى يغلب الشعور بالذنب مثلما فعل مع تلميذه بطرس الرسول ومع المرأة الخاطئة ومع اللص البائس . فى كل عام، يأتينا عيد الميلاد المجيد ليجدد طاقات الحب الالهى امام الإنسان الجائع ويقول لكل منا : الله ليس بعيدا عنك. الله لا ينساك أبدا .الله لا يكرهك اطلاقا. الله يحبك وقد اتى اليك. الله لا يتركك وسط الاخبار السيئة والمحزنة. الله يغفرلك خطيتك. الله يهبك رجاء وفرحاً وتهليلا. الله الذى يعيد لك بالحب الإنسانية فى صورتها التى قصدها الله يوم خلقك. ليست اختراعات الإنسان واكتشافاته وتقدمه العلمى والتكنولوجى هى التى تشبعه. بل على العكس هى تضعف علاقاته بالآخرين، وتضعف حبه للآخرين وللحياة بدليل ازدياد العنف والجريمة والإرهاب والتفكك الاسرى والانحرافات على كل مستوى . ان الإنسان لا يستطيع ان يتغلب على خطاياه بهذه الأجهزة التى تظن انها تسهل حياته، بل على العكس أنه يزداد قلقاً واضطراباً ومعاناة... انه يقول لك: سلاما اترك لكم سلامى اعطيكم ليس كما يعطى العالم اعطيكم انا» (يو 14: 27 ) فقط حب المسيح فى ميلاده هو الذى يعيد العالم إلى صوابه وتكون النفس الشبعانة من هذا الحب هى القادرة فقط ان تدوس على كل مغريات العالم وخطاياه وانحرافاته. حب الله الفائق فى هذا الميلاد العجيب يحتضن كل إنسان يريد ان يشبع يرتوى «وطوبى للجياع والعطاش إلى البر (المسيح ) فإنهم يشبعون» ( متى 6:5 ). عيد الميلاد المجيد رسالة حب صاف نحتاجها جميعا مع خالص التمنيات القلبية نرفعها إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، وكل المسئولين فى بلادنا العزيزة وكذلك إلى قواتنا المسلحة وشرطتنا الوطنية، وكل ابناء مصر الاعزاء الذين يسهرون ويحرسون البلاد والعباد من كل شر ونصلى طالبين السلامة والسلام لبلادنا ولكل الاحباء والاصدقاء وكل عام وانتم بخير وسلام .