تواصل الطبقة الجديدة فى مصر استفزازاتها لسواد الناس العاديين، ففى الوقت الذى تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية عنيفة اقتضت أن تأخذ الإدارة سلسلة من الإجراءات التقشفية، وفى الوقت الذى تفَهم فيه الناس الأسباب التى دفعت الإدارة للمضى قدما فى هذا الطريق الصعب الشاق وتحملوا ما يطيقون وما لا يطيقون، فإن أثرياء هذا الوطن الذين لم نعرف بعد مصادر ثرواتهم المهولة، راحوا ينخرطون فى أنماط من السلوك والاستهلاك أتحدى أن يثبت لى أى شخص أو جهة أنها تماثل ما تستمتع به الطبقات الثرية غير الاستثنائية فى العالم كله، فى مصر فإن سلوك الأثرياء الموسرين الجدد يبدو استفزازيا فعلا، ممهدا الفضاء من حولنا للاحتكاك الاجتماعى والاستقطاب الطبقى إلى نقطة حده الأقصى، ومن ضمن الظواهر المحيطة بحياة أغنياء هذا الوطن، ظهور شركات جديدة تدفع بسيارات مجهزة على نحو خاص، للعناية بأناقة الحيوانات الأليفة، وهى تعدد نشاطاتها، فى تصفيف الشعر بالسشوار والدهن بالبرفيوم (العطر) واستخدام الكرياتين لتنعيم وتغذية فراء الحيوانات، فضلا عن أحدث قصات الشعر التى يختار الزبون إحداها من «كتالوج» مصور لكلبه أو لقطته أو لأى حيوان يقتنيه.. شىء يصيب أى إنسان بالجنون، رغم أننا متحضرون نؤمن بحقوق الحيوان ونرعاها فى شكلها الطبيعى، وكنا نميل دائما إلى تناول مقبرة الكلاب والقطط فى نادى الجزيرة، ويكاد يكون هذا الموضوع جزءا من (كارير) أو التاريخ الوظيفى لكل منا، ولكن مقبرة الكلاب والقطط فى نادى الجزيرة كانت محدودة ولا تعبر عن سلوك واستهلاك طبقة بأكملها، ثم إن مقبرة الكلاب والقطط كانت تعبيرا عن الوفاء لذكرى حيوان منح صاحبه لحظات من السعادة، أما حكاية تصفيف الشعر والكرياتين والبرفيوم والسشوار والسيارات المجهزة فهى مبالغات تذهب إلى آخر استفزاز الناس، وتعكس وجود زبائن يسمح عددهم بالجدوى الاقتصادية لمثل هذا المشروع، وهذا الترف الذى أصبحت قطط وكلاب الأثرياء يعيشونه فى مصر، تُحرم منه كلاب وقطط الفقراء، لا بل ويُحرم منه الفقراء أنفسهم، الذين صاروا يتخبطون فى طرقاتهم يحاولون حساب أى وسيلة عبقرية تمكنهم من مجرد العيش، فى حين تمرق إلى جوارهم سيارات رعاية مظهر الكلاب والقطط وتزيينها ودهان أجسادها وشعرها بالعطر. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع