أثار الرئيس السيسى فى لقائه أثناء افتتاح مشروع الإسكان الاجتماعى «بشائر الخير 2» بمنطقة غيط العنب بالإسكندرية، مسألة مهمة وهى تتعلق بتدنى العائد على الاصول المملوكة للدولة وعدم تحصيل المستحقات عليها رغم ضالتها، واضعا يده على موضوع من الموضوعات التى مازالت غائبة عن الحوار الوطنى ولا تحظى إلا بالنزر اليسير من الاهتمام، ونقصد بها تحديدا اوضاع الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والتى كان من المفترض ان تلعب جانبا مهما فى الحد من عجز الموازنة عن طريق ما تحققه حقوق الملكية فيها والتى تمثل حقا للخزانة العامة، وللأسف فهذا لم يحدث إلا فى القليل النادر، وهى مسألة غاية فى الأهمية فعلى الرغم من أن الملكية العامة فى مصر كبيرة ومتشعبة، حيث تتراوح بين الهيئات الاقتصادية (51 هيئة) وشركات قطاع الاعمال العام الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها 8 شركات قابضة و156 شركة تابعة، فضلا عن شركات القطاع العام الخاضعة للقانون رقم 97 لسنة 1983 وعددها 47 والشركات القابضة النوعية التابعة للوزارات (وعددها 14 شركة تتبعها 91 شركة تابعة) والشركات الخاضعة لأحكام القانون 159 لسنة 1981 وهى عديدة ومتنوعة وبنوك القطاع العام والتنمية والائتمان الزراعي، فضلا عن الشركات الخاضعة لبعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول وتتبعها 12 شركة، وقناة السويس وتتبعها 7 شركات وغيرها ناهيك عن الشركات المشتركة وهى التى يسهم فيها المال العام من مختلف المؤسسات سواء كانت بنوكا عامة او شركات قابضة ونوعية ويبلغ عددها نحو 704 شركات برؤوس أموال قدرها 683 مليار جنيه. وهى فى معظمها تخضع لقانون 159 لسنة 1981 وأيضا 95 لسنة 1992 وقانون 8 لسنة 1997 بالإضافة الى الأراضى والعقارات والمبانى بالإضافة الى حقوق الملكية الفكرية على الآلاف من المصنفات الفنية والكتب وغيرها وكلها أصول يمكن ان تولد قيما وتدفقات نقدية تساعد فى تمويل عجز الموازنة العامة للدولة ويمكننا تلخيص المشكلات فى ثلاثة محاور أساسية، أولها تدنى العائد على هذه الممتلكات، وثانيا عدم تحصيل المستحقات على هذه الأصول وتراكم المتأخرات، وثالثا عدم الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، ونقصد به تحديدا إما عدم استخدام الأصل على الإطلاق او استخدامه بأقل من 50% من طاقته الإنتاجية، حيث تملك هذه الجهات ثروة من المعدات والآلات والأراضى تنتشر فى جميع أنحاء الجمهورية وتحتل مواقع متميّزة ،وللأسف فان معظمها لم يتم استغلاله بطريقة اقتصادية سليمة، على الرغم من مرور فترات زمنية طويلة على حيازتها، الأمر الذى أدى فى بعض الحالات إلى تخفيض أو إلغاء قرارات التخصيص، وتعدى البعض عليها فعلى الرغم من التحسينات التى دخلت على السياسة المالية إلا إنها لم تؤد الى زيادة الإيرادات العامة للدولة، بل على العكس نلحظ أن الإيرادات العامة للناتج المحلى قد انخفضت من 5٫24% عام 2005/2006 الى 6٫18% عام 2017/2018. وكما هو معروف فان هذه الإيرادات تأتى من الضرائب والمنح والإيرادات الأخرى، مع ملاحظة أن هناك تراجعا هيكليا فى مساهمة عناصر الإيرادات الأخرى (والتى تأتى أساسا من أرباح الشركات والبنوك العامة والهيئات الاقتصادية وغيرها) وهنا نلحظ ان الأرباح المحولة للموازنة العامة من أرباح اسهم هذه الكيانات قد ارتفعت من 3٫41 مليار جنيه عام 2010/2011 الى نحو51 مليارا عام 2017/2018 بينما زادت الإيرادات العامة ككل من 3٫265 مليار الى 821 مليار وبالتالى انخفضت نسبتها الى اجمالى الإيرادات من 16% الى 4٫6% ونظرا لأن هذه الكيانات تعتبر وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادى والإداري, فان العلاقة بينها وبين الموازنة العامة للدولة بمثابة علاقة ملكية تتركز فى نتائج الأعمال وعلاقة تمويلية تتركز فى المساهمة والإقراض. وكان من المفترض ان تحقق هذه الجهات الهدف من استقلالها وان تدار على أسس اقتصادية وتجارية تمكنها من تحقيق فوائض مالية، أو على الأقل تسهم فى تمويل نفسها ذاتيا، وبالتالى تخفف العبء عن الموازنة العامة للدولة إلا ان هذا لم يتحقق على الإطلاق بالنسبة لعدد كبير منها. بل وظلت هذه الجهات تحقق خسائر متراكمة عبر السنوات مما ادى الى التدخل لتمويلها من جديد وبأموال طائلة للغاية، وعلى الجانب الآخر فان الفوائض المحولة للموازنة العامة للدولة من بعض هذه الجهات، لم تعد تتناسب مع الأموال المستثمرة فيها، ومع ما تسهم به الموازنة فى هذه الجهات. ومن الأمور المهمة فى هذا الصدد رؤية مسئولى هذه الكيانات للعلاقة مع الموازنة، حيث يرون انهم من حقهم التصرف الكامل فى الفائض المحقق لديهم وبالتالى يقومون بتمويل العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية بأموال طائلة بزعم المسئولية الاجتماعية وانهم خارج الموازنة، ناهيك عن حصول بعض الشركات القابضة على أحكام قانونية بعدم تطبيق الحد الأقصى للدخول عليهم رغم انهم معينون عن طريق وزير قطاع الاعمال العام والذى جدد لمعظمهم فى الآونة الاخيرة، حيث أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فتواها بعدم خضوع العاملين بشركات قطاع الاعمال العام وكذلك رؤساء وأعضاء مجالس اداراتها لقانون الحد الأقصى، مستبعدة بذلك الشركة المصرية للاتصالات والمقاولون العرب وبعض البنوك وغيرها وبذلك يكون قد أغفل تماماً الهدف الأساسى من وضع الحد الأقصى وهو الحفاظ على المال العام، من هنا يصبح التحرك نحو إصلاح هذه الكيانات ضرورة قصوى ويحتاج إلى سلة من الإجراءات والسياسات تتفاعل مع بعضها البعض وتتناول جميع جوانب الأطر المالية (الإيرادات والنفقات بل وأيضا أسلوب التصرف فى الفوائض). وكلها أمور تساعد على المساهمة فى علاج عجز الموازنة، الذى اصبح فى مرحلة حرجة رغم الإجراءات العديدة للعلاج ولكن مع التنبيه على خطورة علاج العجز بمزيد من الانكماش، لانه يعطل التنمية ويزيد من مشكلة البطالة ويؤثر بشدة على مستوى معيشة الأفراد. ولذلك فان علاج العجز ينبغى ان ينطلق من عدة مبادئ أساسية ترى ان علاج العجز لايعنى القضاء عليه، بل الوصول به الى مستويات مقبولة مجتمعيا. وان هذا العلاج سوف تترتب عليه تكاليف معينة يجب ان يتحملها المجتمع وفقا لاعتبارات العدالة. فضلا عن ضرورة ان يتم على مدى زمنى متوسط وطويل الأجل. لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى