فى الطريق من بيتى بمدينة نصر لنيل الجيزة لاحتفال سفارة الكويتبالقاهرة بمرور 60 عاماً على صدور مجلة العربي. التى تعد من أقدم المجلات العربية ولا يسبقها سوى مجلة الهلال التى احتفلنا بقرن من عمرها قبل سنوات طويلة. حضر الاحتفال وزير الإعلام والدولة لشئون الشباب، محمد ناصر عبد الله. وسفير الكويت فى القاهرة محمد الدويج، ورئيس تحرير العربى الدكتور عادل سالم العبد الجادر، واختيار القاهرة مهم. وانطلق من حس قومي. ومن إحساس بميلاد المجلة على يد أول رؤساء تحريرها فى يناير 1958، وكان الدكتور أحمد زكي، الذى ترك رئاسة تحرير الهلال لكى يتولى تأسيس العربي. خلفه أحمد بهاء الدين. وتعجز مفردات اللغة العربية عن أن تمدنى بما أكتبه عن الأستاذ بهاء. هكذا كنا نناديه. وهكذا كان يحب أن يسمع اسمه من محبيه. واستمر الأستاذ رئيساً للتحرير حتى سلم رئاسة التحرير للدكتور محمد غانم الرميحي، ثم تلاه الدكتور سليمان العسكري. لا أحتاج لما يذكرنى بنجيب محفوظ. فالرجل يحيا معى أكثر مما كان وهو حياً. الطريق إلى سفارة الكويت ذكرنى بالطريق إلى مركب راسية على النيل هى فرح بوت. كنا نقابل نجيب محفوظ يوم الثلاثاء. كانت لنجيب محفوظ حكاية مع العربي. وما زلت أذكر أننى اصطحبت معى إلى فرح بوت مصور مجلة العربى الخاص ليصور نجيب محفوظ. مناسبة التصوير حوار أجريته مع نجيب محفوظ لمجلة العربي. وربما كانت مجلة العربى المطبوعة العربية النادرة التى أصدرت عدداً خاصاً عن نجيب محفوظ بعد حصوله على جائزة نوبل أكتوبر 1988، واحتل غلافها وكان للاحتفال به فى المجلة طابعه الخاص. نابع من الحب لنجيب محفوظ أكثر من الهوس بنوبل. قال لى نجيب محفوظ وكأنه يطرح عليَّ السؤال بدلاً من أن أسأله أنا: هل تعرف أننى كنت من قراء مجلة العربى المستمرين. الذين يحرصون على قراءتها بصورة مستمرة أول كل شهر. إنها مجلة عظيمة جداً. أكمل نجيب محفوظ: ولكن للأسف فإن المسرات لا تدوم. منذ سبع سنوات وأنا متوقف عن القراءة. وهى المدة التى توقفت فيها عن قراءة العربي، تابعت العربى فى عهودها الثلاثة. أولاً: فى زمن أحمد زكي. وثانياً فى أيام أحمد بهاء الدين يرحمه الله. ثم السنوات التى تولى فيها الدكتور محمد الرميحى رئيس تحريرها الثالث والحالي. حتى توقفت عن القراءة 1991. يستطرد نجيب محفوظ: وبذلك أكون قرأت المجلة وتابعتها فى مرحلة أحمد زكى كاملة. وأحمد بهاء الدين كلها. ومحمد الرميحى جزءاً منها فقط. والعربى مجلة عامة ثقافية شاملة. تغنى القارئ عن الكثير من المجلات الأخري. تعد العربى من أحسن ما عملنا. من أفضل الإنجازات العربية فى الصحافة الثقافية العربية. إنها من أحسن المجلات الثقافية العربية. وكانت تقدم للقارئ عندما كنت أقرؤها الكثير مما قد يبحث عنه فى العلوم والفنون وأدب الرحلة. ويحكى عما يميز كل مرحلة فى العربى عن الأخري: فى سنوات أحمد زكي. غلب عليها الطابع العلمي. وهو مطلوب. ولكن كان يخيل إليَّ أحياناً أنه قد يطغى على ما عداه. وعندما ذهب إليها أحمد بهاء الدين. سألت نفسي: ماذا سيفعل أحمد بهاء الدين فيها؟ وقد تمكن من تغييرها. وفى زمن الرميحى أضيفت إليها اهتمامات جديدة. مثل لغة الأرقام والعلم. والتبحر فى التراث وأبواب الأسرة والكتابات الوجدانية والاستطلاعات المصورة التى تجوب العالم. أصبحت مجلة شاملة ذات طابع موسوعي. ونحن فى حاجة إلى هذا النوع. طالما أن الموسوعات قليلة. بل نادرة الوجود فى حياتنا. حكاية أحمد بهاء الدين مع العربى مختلفة. فعندما ضاقت الأحوال فى مصر قرب منتصف ثمانينيات القرن الماضي. شد الرحال إلى الكويت، رئيساً لتحرير مجلة العربي. واصطحب معه عدداً من تلاميذه: مصطفى نبيل، حلمى التوني، فهمى هويدي، وغيرهم. وتولى إصدار المجلة وأضاف إليها من روحه الجديد والمهم. عرفت الطريق للنشر فى العربي. كان الأستاذ بهاء يتردد على القاهرة. وكنت أحرص على أن أراه. وقد طلب منى قصة للنشر فى العربي. وذهبت بها إليه وسعادتى لا توصف. لم تكن المرة الأولى التى أنشر فيها. لكن كان الطعم مختلفاً. فالطلب من بهاء الذى يقف فى منتصف المسافة بين الصحافة والأدب والفن. وما من إشراقة أدبية وفنية جرت فى بلادنا فى النصف الثانى من القرن العشرين. إلا وكان لبهاء دور فيها. وقعت لى واقعة لا أنساها. كان أحد أقربائى من قريتنا الضهرية مركز إيتاى البارود بحيرة، قد سافر للعمل فى الخليج العربي. ولم يكن يعرف أننى أكتب. وقد اتصل بقريتنا ليقول لأهله إننى أكتب وأن مجلة محترمة هى مجلة العربى الكويتية نشرت لى قصة. وفى ثوان معدودة أصبحت قصة القصة هى حكاية القرية. ما أكثر ما كتبت، وما أكثر ما نشرت. ولكن كان لوقع قصة العربى وسط أهلى وناسى الذين أكتب عنهم، ما لم أجده من قبل رغم نشرى فى مطبوعات مصرية وعربية بل وعالمية أخري. عاد بهاء إلى مصر وقال لى إنه آن الأوان أن أكون هنا فى القاهرة. ولا يكفى أن أغيب أكثر من هذا. وعن نجاح تجربة العربى قال لى أنا لا أقول لك أسرارا. ولكن فى الكويت فإن الكويت كله يقف وراء العربي. ابتداء من أمير البلاد، لوزير إعلامها، حتى المواطن العادى يشعر بأن له صلة بالمطبوعة. وأنها رسالته للعالم. وأن نجاحها نجاح شخصى له. قال لي: سألونى عمن يتولى رئاسة التحرير من بعدي. وقد رشحت لهم الدكتور محمد غانم الرميحي. ليتم تكويت رئاسة التحرير بعد أن أسس المجلة مصرى وانطلق بها إلى آفاق الدنيا مصري. فكان من الطبيعى أن تعود إلى أصولها الأولي. وأن يتولى رئاسة تحريرها أحد أبناء الكويت. فوجئت بأنهم يكرمونني. المفاجأة عندما طلبوا تسلم درع أحمد زكي. ابن دار الهلال. فشلوا فى التوصل لورثته. عدت لبيتى بالدرع. وفشلت فى العثور على من يحمل اسم أحمد زكى ليأخذه. فماذا أفعل؟!. لمزيد من مقالات يوسف القعيد