رغم انخفاض سيل المهاجرين واللاجئين العابرين إلى أوروبا عبر المتوسط خلال الآونة الأخيرة إذ سجل عددهم خلال عام 2018 قرابة ال 100 ألف مهاجر مقارنة ب 154 ألف مهاجر عام 2017، فإن فرنسا تعد ثانى أكبر الدول الأوروبية، بعد ألمانيا، من حيث استضافتها المهاجرين واللاجئين حيث سجلت خلال عام 2017 رقما تاريخيا لطلبات اللجوء، بنسبة 17%، لتصل إلى نحو 100 ألف، بحسب المكتب الفرنسى لحماية اللاجئين وعديمى الجنسية. ووسط كل هذا التدفق، يبدو فى الأفق أزمة دمجهم فى المجتمع الفرنسي، حيث أعاقت عن غير قصد طيلة العقود الماضية وضع سياسة واضحة لدمج المهاجرين واللاجئين، وأخيرا، بدأت فرنسا فى الانتباه لهذه القضية وتأثيراتها السلبية، فتحركت على أكثر من مستوي، فعلى المستوى التشريعى أقر البرلمان الفرنسى فى أغسطس الماضى بشكل نهائى تشريعا جديدا، وصف بأنه مثير للجدل، حيث يضع القانون الجديد شروطًا صارمة فيما يخص اللجوء فى فرنسا، كما يقلص المهلة المطلوبة للتقدم بطلب اللجوء ودراسته من طرف السلطات الفرنسية، من 11 شهرًا إلى 6 أشهر فقط، بهدف تسهيل ترحيل من ترفض طلباتهم وتسريع استقبال المستوفين الشروط، وعلى المستوى الحكومي، أعلنت وزارة العمل الفرنسية فى أكتوبر الماضى أنها ستستثمر 15 مليون يورو فى مجال الإدماج المهنى لآلاف اللاجئين فى فرنسا، وهم غالبا ما يجدون صعوبة فى إيجاد عمل فى البلد الذى يستقبلهم. وتسعى فرنسا عبر إقرارها هذا القانون إحداث تغيير فى سياسة استقبال طالبى اللجوء عبر إنشاء مراكز استقبال ل 12500 لاجئ فى 2018-2019، حيث سيتم افتتاح مراكز إيواء مؤقتة ل 5000 لاجئ، والارتكاز بصفة خاصة على زيادة الجهود فى تدريس اللغة الفرنسية أو القيام بعملية الدمج المهنى بهدف تحسين سياسة الاندماج، يتوازى ذلك مع تخصيص 15 مليون يورو لبرنامج توظيف اللاجئين، إذ ترى وزيرة العمل مورييل بنيكو إن هذا البرنامج يشمل «4000 أو 5000 لاجئ ابتداء من 2019 على أن تتم زيادة هذه الأعداد فى السنوات اللاحقة، خاصة أن لدى بعض اللاجئين مؤهلات، لكنهم يأتون من بلدان لا يُعترف بشهاداتها، أو يعملون فى مجالات من الضرورى حصولهم على تدريب إضافي» للتمكن من النجاح فيها. إشكالية دمج اللاجئين فى أوروبا تواجه صعوبات عديدة، ويختلف الدمج فى المدينة عنه فى ضواحيها، ، حيث يعبر عن مشكلات الدمج ل «الأهرام» شادى أبو فخر، وهو سورى يقيم فى فرنسا منذ ثلاثة أعوام بقوله: هناك تقصير كبير فى جانب تعلم اللغة، فليس هناك برنامج حقيقى لتعليم اللغة، هناك برامج لتعليم الحكى أو ما يحتاجونه لممارسة حياتهم، وذلك لتأمين فرص عمل لهم كعمال أو فنيين، وليس تأهيلهم كفئة أولى من العمل. ويرى أن هناك تقصيرا من الحكومة الفرنسية فى قضية الدمج، ويتمثل فى أمرين: الأول: هو اللغة، حيث لا يوجد معلمون أكفاء، ولا دورات تعليم حقيقية، تؤدى إلى تعليم أكاديمى حقيقي، والأمر الثانى هو العمل: وهو أمر لا يخص فقط اللاجئين بل كل من هو موجود فى فرنسا. وبالنسبة لمشكلات اللجوء، يتمثل أكثر ما يتمثل فى ثقافة البلد الذى يلجأ إليه، فكثيرا ما يحدث ما يسمى الصدمة الحضارية والثقافية، ويشعر اللاجئ بأنه ما زال وليدا، يحتاج أن يبدأ كما يبدأ الأطفال فى هذه البلدة، من تعلم اللغة إلى نسج علاقات اجتماعية إلى البحث عن عمل، هذه الحياة الجديدة يكون لها رد فعل عند المهاجر واللاجئ، ويرى أنه تحد جديد، منهم من ينجح ويندمج، ومنهم من يفشل وبالتالى ينزوى فى مجتمع صغير من أهل بلده فى منطقة ما، فقد يتجه اتجاها محافظا، ومنهم من يوجه نقمته إلى المجتمع الجديد، ويتجه إلى التطرف الدينى، فلا يزال بأوروبا من الجيل الثانى والثالث فئة سلفية متشددة، وهى ناتجة عن رد فعل على هذا المجتمع الجديد وعدم القدرة على التأقلم والدخول فيه والقيم الموجودة فيه. وتبقى مشكلة السكن والوظائف، فيرى أن هناك صعوبة فى إيجاد سكن فى المدينة، بينما هو متاح فى الضواحى والمدن البعيدة، . ويوضح بركة بشارة وهو لاجئ سودانى تفاصيل رحلة وصوله إلى فرنسا, التى يصفها بأنها رحلة قاسية بدأت من السودان إلى ليبيا، وكانت أشبه بالكابوس من معاناة و ذل وجوع وعطش، حيث توجه من مدينة مليط السودانية إلى ليبيا عن طريق الصحراء الكبرى واستغرقت الرحلة 21 يوما ثم توجه منها إلى مدينة أجدابيا الليبية ليمكث فيها 6 أشهر لتوفير مبلغ مالى للدفع مجددا للوصول إلى إيطاليا ثم إلى فرنسا عبر الأنفاق والجبال، ويرى بركة أن هناك صعوبة للشخص الذى لم يتلق أى تعليم فى بلده، لكن لا توجد أزمة فى السكن أو مشقة كبيرة، فالدولة هى من تتكفل بعلاجك وسكنك حتى بعد أن تتحصل على إقامة كلاجئ، أما فرص العمل فهناك فرص من الدولة للشخص الذى تم الاعتراف به كلاجئ، وهذه الفترة تحتاج إلى سنتين بالنسبة للشخص الذى تلقى قدرا من التعليم، أما العكس فيحتاج من 3 إلى 4 سنوات. بينما يذهب إيمرك جينيت وهو مؤسس ونائب منظمة وينتجريت المتخصصة فى دمج اللاجئين والمهاجرين إلى أن وضع اللاجئين ليس أزمة فى فرنسا وحدها، بل هى واحدة من أهم تحديات القرن، وسوف تستمر سنوات عديدة، واللاجئون هم أشخاص هربوا من بلادهم لأسباب سياسية أو اقتصادية، ولديهم ثقافة وحضارة فى بلادهم الأساسية، وهم حريصون على ألا يفقدوا مواهبهم وقدراتهم، وهم حين يصلون يواجهون مشكلات عديدة أهمها اللغة والتواصل والعوامل النفسية والسكن ثم العمل ، وتشعر الحكومة بالفعل بالأزمة وتسعى لحلها من خلال التحسين فى برامج تعلم اللغة وانتشارها والتعاون الكبير مع منظمات المجتمع المدنى لإيجاد وظائف بعد تعليمهم وتأهيلهم لغويا ومهنيا.