أقسم لى وهو فى جنيف منذ ستة أشهر أنه لو عاد الى مصر سأكون أنا أول من سيجرى معه حواراً صحفيا للأهرام ، لم يحاول أبداً طوال فترة غيابه أن يصدر لى أي مشاعر سلبية أو شكوى من الآلام الجسدية التى يعانيها من المرض اللعين الذى تجاهله على أمل أن يتجاهله هو الآخر . أخذت أفكر فى هذا الامتحان الرهيب .. كيف سأحاور أستاذى الذى علمنى فن كتابة العنوان .. وكيفية تحويل الأفكار الى واقع على « الورق» . هل أقرأ أرشيفه وهو معى فى رأسى من أول يوم دخلت فيه بلاط صاحبة الجلالة أحبو بكل المثاليات الصحفية التى تعلمتها فى كلية الإعلام لتنكسر أمام أول صدمة وهى رفض دخولى أخبار اليوم للتدريب وأنا مازلت طالبة وهو نائب رئيس تحرير ومن أصغر نواب رؤساء التحرير فى أخبار اليوم وهو يقول مواسياً على استنكارى طلبهم لى باحضار وساطة «حد كبير» للسماح فقط للدخول وأنا ثائرة ثورة الشباب بأن الصحافة لا تحتاج وساطة وهو يبتسم مطمئناً لى بأنها تسمح فقط بالمرور لكنها لا تسمح بالنجاح .. كان هذا أول درس وكان أول قرار اتخذه ابراهيم سعدة بعد أن أصبح رئيساً للتحرير هو تعيينى أنا وزميل لى لم يكن لنا وساطات سوى عملنا. هل أسأله عن مشوار حياته الصحفى .. سيقول لى أنه سؤال ليس جديداً فلتذهبى الى الأرشيف لتعرفيه .. أم أسأله عن أسرار لا يعرفها أحد منذ أختياره لإسم «أنور وجدي» ليصبح عموداً من أكثر الأعمدة جرأة فى تاريخ الصحافة ولينافس به عموده بالصفحة الثانية فى أخبار اليوم الذى بدأ واستمر فى كتابته بعنوان «آخر عمود» .. هل سيقول لى السر فعلاً حتى ولو أنه بدى أنه بسيط وطريف .. وتعليقاً منه علينا وعلى النميمة التى كنا نتداولها فيما بيننا واتفاقنا على إطلاق هذا اللقب عليه كنوع من المزاح إذا ما شئنا خارج منظومة العمل الصحفى داخل مكاتبنا ! .. وكيف أنه قرر أن يحول إسمه الحركى الى حقيقة حتى نعلم أنه عرف سرنا وأن الأسرار لا تخفى على الصحفيين الكبار وقد كان سعده واحد منهم فى مصر. هل أسأله عن فترة تألقه فى الصحافة العربية كمدير لأحد أكبر مكاتبهم فى الشرق الأوسط ثم رفضه الإستمرار بعد المقاطعة وسبب هذا فى اختيار أنور السادات له رئيساً للتحرير كآصغر رئيس تحرير آنذاك فى أواخر السبعينيات !. أم أغوص فى أعماق آلآمه منذ صغره بعد فقدانه لإبنه الوحيد ومحاولة مصطفى وعلى أمين التخفيف عنه بوضعه أمام مسئوليات صحفية وقد كان جدير لها ، ولا ينسى زملاؤه المقربون مثل نبيل أباظة أنهم فوجئوا به عقب جنازة إبنه أنه يجلس وسطهم فى صالة التحرير يدرس كيفية تنفيذ إصدار « آخر لحظة» . ظللت أستعد أشهر طويلة وكلى أمل ووضعت العنوان.. «دينا ريان تحاور إبراهيم سعدة» والكل من زملائى القدامى كان يعلم سر الخلاف الذى حدث مع أستاذى وصديقى الكبير الذى كان سبباً فى تركى أخبار اليوم وطنى الصحفى الأول وأن هذا الحوار سيكون بمثابة قنبلة صحفية من قنابل موضوعات مدرسة أخبار اليوم الصحفية.. لكن !! فجأة انقطع الإتصال والوصل وعرفت أن حالته الصحية تتدهور فجلست مع زملائى فى انتظار قدومه لكنه جاء محمولاً يواجه صعوبة حتى فى رد التحية.. ذهبت له مع محمود صلاح الذى صاحبنا المشوار الصحفى والإنسانى.. دخلت المستشفى آرتعد من هول اللقاء بعد غياب ربع قرن لم أراه منذ تركتب الأخبار.. انحنيت على يده آقبلها وأطلب السماح.. رد عليّ والكلمات تتعثر وقال « أنا عند وعدى بعد أن ارتاح سأجرى معك الحوار الصحفى الذى وعدتك به.. أنتى صديقتى».. وغاب وأنا لازلت فى الإنتظار.