أعرف، بحكم سوابق عديدة، أهمها برامج تكافل وكرامة، ومنع العشوائيات، وتأمينات العمالة غير المنظمة، ومساكن محدودى الدخل، وغيرها من برامج مساعدة معدومى ومحدودى الدخول، أن الحكومة الآن تنظر بعين فاحصة لمشكلة الفقر فى مصر، وأنها لا يعنيها أصحاب الأصوات العالية، وأنها لا تعتبر الفلاح هو الحلقة الأضعف بين الفئات الاجتماعية. وإذا كان الفلاح، بطبعه وثقافته، لا يعرف طرق الاعتراض المعروفة فى الميادين، فإننى أعتقد، نيابة عنهم، أننا نحتاج الآن إلى لجنة علمية، ذات مستوى عالٍ، تسارع لإعادة دراسة قرار متسرع تسبب فى إفقار الفلاحين بالفعل، بحظر زراعة الأرز فى 18 محافظة، ولم تقدم بديلا للمزارعين لكى يزرعوا؟ وقد تسبب هذا القرار فى مشكلات عديدة فى الأراضى ذات الملوحة العالية، خاصة فى الدلتا، والناتجة من البحر المتوسط، وفى نهايات الترع التى عادة ما تروى بمياه الصرف، أو مخلفات، لا تصلح لأى شيء إلا إصلاح التربة، ورى الأرز، أو لأنها تربة تحتاج إلى الغسيل لإعادة زراعتها من جديد، وبأى محصول آخر، وقدمت اللجنة لقرارها، غير العلمى، تبريرات تنم على عدم المعرفة الكاملة بالزراعة والمياه فى مصر، واستغلت هذه اللجنة شبحا يخيم على المجتمع اسمه نقص المياه، بسبب سد النهضة الإثيوبى الذى مازال ليس له أى تأثيرات على إيراد نهر النيل فى بلادنا، كما قدمت اللجنة التى ليس بها أى خبراء بل مجموعات من الموظفين من الرى والزراعة، أنها بهذا القرار ستوفر فى مياه النيل للزراعة الجديدة، أو الشرب أو الصناعة، وهى كلها تبريرات لا تصح أن توصف بأنها لجان مصاطب، لأن أهل المصاطب قدموا حلولا أفضل لزراعة الأرز الجاف الذى لا يستهلك كل هذه المياه، ويمكن من خلالهما زراعة مليون ونصف فدان بنفس كمية المياه التى ستزرع 750 الف فدان الموافق على زراعتهم بالأرز، كما أن لجان الموظفين تجاهلت كل ما قاله وسطره خبراء الزراعة الحقيقيون بالمحافظات والجامعات المصرية، سواء فى الوادى أو الدلتا، لكى يقدموا بدائل للفلاحين فى طرق تجهيز الأرض، أو الخيارات الأخرى العديدة التى توفر المياه، وتقلل وقت الزراعة، أو بطرق حديثة للزراعة توفر المياه، بطرق الشتل على صوان، وهى مختبرة لدى العديد من المزارعين الذى يملكون موهبة فطرية فى زراعة الأرض، وخاصة الأرز، فالفدان الواحد المزروع بهذه الطرق التى ابتكرها الفلاح المصرى بالموهبة الفطرية يوفر 25% من المياه عن الفدان التقليدى، وهى شتلات مصرية قصيرة الحبوب، متوسط إنتاجها 4 أطنان، وقصيرة الساق، وتحتاج إلى أقل من مائة يوم للزراعة. وإذا كانت الحلول متاحة فلماذا لم تساعد وزارتا الزراعة والرى الفلاح المصرى، قليل الحيلة فى التعامل مع الموظفين وإدارات الحكومة، رغم قدرته الفائقة على التعامل مع الأرض والمياه بلا بحث علمى حقيقى، أو إرشاد زراعى متواضع، وللأسف فإن العقوبات أو الحبس للفلاح أطالب بأن تتحملهما اللجنة، فهى التى يجب أن تدفع الغرامة نيابة عن الفلاحين، أو تحبس لأنها تمارس أسلوبا عفى عليه الزمن، لإفقار أهم طبقة اجتماعية مصرية، تقدم لنا الخبز والحياة يوميا، وتعمل فى ظروف أصعب ما تكون. الفلاح لن يستطيع أن يسدد الغرامة، وقدرها ثلاثة آلاف جنيه للفدان، لأن اللجنة لم تدرك أن الفلاح لا يكسب، ولا يدر دخلا بهذا القدر للفدان، وكذلك يجب محاكمة اللجنة التى منعت زراعة الأرز بلا دراسة، لأنها حولت مصر من منتج كبير، ومصدر أكبر إلى مستورد كبير، فهذا القرار لم ينتج عنه توفير أى مياه للرى، بل على العكس، زاد استهلاك المياه فى الزراعة، كما أن الأرض التى تزرع أرزا فى الغالب لا تزرع محاصيل أخرى، وبالتالى حرمان الفلاحين من دخلهم النقدى الأساسى، وتسبب ذلك فى مشكلات اجتماعية ضخمة فى الريف المصرى، خاصة فى الأراضى التى تقع قريبة من البحر المتوسط، ومياهه المالحة، الأمر الذى لا يستوجب معادلة الملوحة، وهو الأمر الذى لم تدركه اللجنة من الموظفين التى منعت الزراعة بلا وعى أو دراسة حقيقية، كما أن اللجنة المذكورة لم تعرف كيف تحمى الدلتا المصرية، لأنها ببساطة هى التى تنتج 75% من الحاصلات الزراعية، يعنى الأرز الذى نأكله، فاللجنة جعلت تجهيز الأرض بنفس كمية المياه التى ستزرع محل الأرز، فماذا فعلتم أيها الخبراء بالفلاحين، وبالاقتصاد المصرى فى أحد المحاصيل المهمة، والاستراتيجية التى تدر عملة صعبة لاقتصادنا؟ أفقرتم الفلاح، أثرتم بالسلب على التربة الزراعية، وبموارد مصر من النقد الأجنبى، ولم توفروا مترا مكعبا واحدا من المياه، ماذا يفيدنا أن نعاتبكم؟ بل قطعا يفيدنا أن نتعقبكم فى مواقعكم، حتى يأتى من هو أفضل منكم، يفكر معنا لعلاج مشكلات اقتصادية صعبة، تواجه الزراعة والمياه، حتى نستطيع أن نفكر من جديد فى تغيير كامل للزراعة والمياه فى بلدنا. لماذا لا نبدأ بطرح آراء جديدة، وبتجهيز الفلاحين، فكريا، وماليا، للخيارات الزراعية الجديدة؟ ولماذا لا نوفر خبراء جيدين للزراعة ومرشدين للفلاحين، ونقوم بدمج الفلاح المصرى فى دورات تدريبية، وأن تكون معه حكومة تحب وتعمل معه وليس لإفقاره أوعقابه. يبدو أن هذا مازال حلما، ولكن الأحلام تتحقق فى مصر. لمزيد من مقالات أسامة سرايا