يبدو أن أفغانستان ستظل تمثل بؤرة اهتمام للصحافة الغربية ليس فقط لضبابية الوضع السياسى المعقد فيها، وإنما أيضا للوضع الإجتماعى الذى يبدو أكثر تعقيدا مما تصور البعض بكثير. فعقب الغزو الأمريكى لأفغانستان والقضاء على حكم طالبان اعتقد البعض أن الإصلاحات السياسية والدستورية التى حدثت لاحقا، ونصت على ضرورة المساواة فى المواطنة بين النساء والرجال، ستحسن من وضع المرأة المزرى الذى فرض عليها خلال حكم طالبان. ولكن الواقع ورغم مرور هذه السنوات يشير لعكس ذلك تماما، فوضع المرأة بصورة عامة لم يتغير كثيرا عن فترة حكم طالبان، فإلى جانب الحقيقة المعروفة بأن النساء والأطفال هم أكثر ضحايا الحروب، مازالت المرأة الأفغانية تعانى كما هائلا من المحظورات والقيود، تتعلق فى مجملها بحقها فى تحديد اختياراتها فى التعليم والزواج والعمل وتنشئة أبنائها، وهو تمييز يعود فى مجمله إلى افتقاد النساء للمهارات التعليمية والاجتماعية التى تؤهلهن للانخراط فى الحياة العامة بصورة ايجابية وفعالة. هذا الوضع المؤسف يختلف تماما عن الفترة التى سبقت الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979، حيث تمتعت النساء الأفغانيات قبل هذه الفوضى بقدرمعقول من الحقوق وشكلت نسبة لا يستهان بها تقترب أحيانا من النصف سواء بالنسبة للعاملين بالحكومة أو المدرسين أو الأطباء، قبل أن تقضى طالبان تماما على هذا الوجود وتعيد المراة قرونا للوراء. وأخيرا سلطت الصحافة الغربية الضوء على ظاهرة السيدات الأرامل فى أفغانستان بعد ان أظهرت بعض الاحصاءات أن العام الحالى يعتبر الأكثر عنفا ودموية، حيث وصل معدل العنف إلى 50 ضحية يوميا بسبب هجمات طالبان التى خلفت عددا هائلا من القتلى تركوا وراءهم زوجات وأبناء، وقياسا على عدد السكان تعد أفغانستان واحدة من أعلى دول العالم فى نسبة السيدات الأرامل، حيث فقدت آلاف السيدات أزواجهن بسبب الهجمات المسلحة والتفجيرات، التى لم تترك أمام هؤلاء سوى بدائل محدودة للغاية لإدارة شئون حياتهن. وهو ما دفع الصحافة الغربية لأن تطلق عليهن وعلى أبنائهن الجيل الضائع، وهى تسمية فى محلها تماما فهولاء السيدات يقعن فريسة لمجتمع يحكم قبضته على حاضرهن ومستقبلهن ويتركهن رهينة فى يد عائلات أزواجهن الراحلين بلا اختيارات حقيقية أو مستقلة لتقرير مصيرهن ومصير أبنائهن، ويقلص حريتهن الشخصية لحدها الأدنى رغم أنها حرية محدودة أصلا، وهو ما يعنى فى معظم الحالات ضرورة أن تتزوج الأرملة من شقيق زوجها الراحل أو أحد أبناء عمومته دون أن يكون لها الحق فى الإختيار أو الرفض رغم محاولات البعض التمرد على ذلك. صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تتبعت فى تقرير لها قصص بعض هؤلاء السيدات فى رحلة تحول حياتهن من الإستقرار إلى المعاناة بسبب مأساة فقد الزوج، وهى رحلة إنسانية مؤلمة لم تترك لهن حتى فرصة للحزن بسبب ضغوط الحياة ومسئولية الأبناء الذين أصبحوا بلا عائل ، وبالنسبة لهؤلاء لم يكن فقد الزوج هو قمة المأساة فقط ولكنه كان مقدمة لما سياتى لاحقا من تدخلات بسبب التقاليد الاجتماعية الجامدة. وهو نمط يتكرر بغض النظر عن المستوى التعليمى أو المهنى لهؤلاء فالتقاليد المجتمعية لا تستثنى أحدا. وهنا تشير إحدى السيدات الشابات وهى امرأة متعلمة وتعمل ولديها دخل ثابت وتعيش فى العاصمة كابول، إلى أنه بمجرد وفاة زوجها دأبت عائلته التى تعيش فى احدى المحافظات على مطالبتها بالعودة لتعيش معهم فى مسقط رأس زوجها الراحل، بدعوى انه ليس من المقبول اجتماعيا أن تعيش أرملة شابة واطفالها فى العاصمة بمفردها، وهى مطالبات عادة ما تقابلها بالرفض بشكل هادئ تجنبا لإثارة غضبهم، لأنها على حد قولها امرأة متعلمة ومستقلة وتستطيع إدارة شئون حياتها بنفسها. ومع أن قرارها يبدو حاسما إلا أن الضغوط المجتمعية تجعله اختيارا ليس مريحا بالنسبة لها، فمطالبات عائلة زوجها الراحل لم تتوقف ونظرة المجتمع الأفغانى نفسه ليست فى صفها، وهو ما جعلها تفكر جديا فى مغادرة البلاد للعيش فى الخارج بعيدا عن كل الضغوط التى تتعرض لها، والتى تمنعها من طلب المساعدة كى لا تؤثر سلبا على صورتها كامرأة قوية. ولا يختلف الأمر كثيرا فى حالة أخرى لسيدة شابة تبلغ من العمر 22 عاما فقدت بدورها زوجها فى إحدى هجمات طالبان، ولديها طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات وتنتظر مولودا لن يرى والده. وعلى عكس الحالة الأولى فهذه السيدة لم تكمل تعليمها، وبالتالى أجبرتها الظروف على الارتباط بعائلة زوجها، ورغم أن زوجها الراحل كان يتولى منصبا حكوميا رفيعا الأمر الذى يعنى أن معاشه بالإضافة للتعويضات التى صرفت بعد اغتياله على يد طالبان يفترض أن توفر دخلا لائقا لها، إلا أنها لا تعرف تحديدا مقدار دخلها، لأن الشقيق الاكبر لزوجها الراحل والذى تعيش فى منزله مع اسرته هو من يحصل على الدخل بأكمله، وهى من جانبها لا تستطيع أن تناقش هذا الأمر بل تجد حرجا بالغا فى الحديث عنه كونه يستضيفها فى منزله وسط عائلته. ولكن الأمور المادية ليست المصدر الوحيد لشعورها بالقلق وعدم الإستقرار، فالأهم هو التوقعات القائمة بضرورة زواجها من الشقيق الأصغر لزوجها الراحل، رغم أن الموضوع لم يطرح صراحة بعد انتظارا لأن تضع مولودها وإن كان الواقع يشير إلى أنها مسألة وقت فقط، فتدخلات هذا الشقيق فى حياتها أصبحت أمرا معتادا، وتقول هذه السيدة الشابة إن الضغوط المتكررة تسببت فى انهيارها، فقد أصبحت دائمة البكاء لكونها امراة تعيش فى هذا المجتمع الجامد ولكونها أرملة فى مقتبل العمر ولديها طفلة وتنتظر الأخرى ولأنها لا تملك حق التصرف فى حياتها وحياة طفلتها. المؤسف فى الأمر أنه حتى فى ظل المحاولات التى تبذل لتغيير هذه الصورة النمطية عن وضع المرأة الأفغانية، فإن المشاكل تلاحقها وكأنها قدر محتوم، والدليل على ذلك الفضيحة التى تفجرت بشأن الانتهاكات التى تعرضت لها بعض لاعبات فريق كرة القدم النسائية من قبل مسئولى اتحاد الكرة، وهى الادعاءات التى اثارت موجة استياء وغضب فى الداخل والخارج، ووصلت أصداؤها للاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» الذى قرر إجراء تحقيق فى هذه المزاعم والإدعاءات. ففى مرحلة ما بعد طالبان اعتبر انخراط الأفغانيات فى ممارسة الرياضة علامة فارقة على عهد جديد للمرأة بعد سنوات من القهر والتشدد ضدها، ولكن هذا الحلم يبدو أنه يتلاشى أو فى طريقه لذلك بسبب الاتهامات الموجهة لعدد من المدربين ومسئولى الاتحاد بارتكاب انتهاكات وتحرش ضد عدد من اللاعبات. ورغم أن الخوف من نظرة المجتمع ومن رد فعل عائلات هؤلاء اللاعبات أسكتهن فترة طويلة، فإن البعض قرر كسر حاجز الخوف وتحدثن للمرة الاولى عن كل ما تعرضن له على يد من افترضن فيهم حمايتهن فى المقام الأول. وفى ظل حالة الجدل والإنكار وتوالى الاتهامات قرر النائب العام فتح تحقيق فى القضية التى سببت صدمة للمجتمع ودفعت الرئيس للمطالبة بإتخاذ اجراءات حاسمة ورادعة ضد كل من تورط أو تجاوز حماية للمجتمع ولحقوق اللاعبات. خاصة أن هذه الادعاءات كان وقعها الدولى سيئا جدا، فالخطوة التى تم الاحتفاء بها دوليا واعتبرت رمزا لأفغانستان جديدة لمجتمع أكثر انفتاحا وتقبلا لحقوق المرأة بعد سقوط طالبان انقلبت رأسا على عقب وربما تتسب فى العودة خطوات إلى الخلف، وهو ما القى مزيدا من الضغوط على المرأة هناك، ودفع البعض للقول إن البحث عن طوق نجاة من هذا الواقع المؤلم أصبح التحدى الأكبر أمام النساء الأفغانيات.