الحديث لا يتوقف فى موسكو وخارجها بحثا عن الأسباب الحقيقية التى تقف وراء تكرار رفض الرئيس الامريكى دونالد ترامب لقاء نظيره الروسى فلاديمير بوتين .. فى الوقت نفسه الذي يبدو فيه أكثر اتفاقا مع القول المأثور .. «يكاد المريب يقول خذوني». فلم يكن اللقاء الذى كان مقررا، ان يجمع الرئيسين بوتين وترامب فى الارجنتين على هامش قمة العشرين هو الاول الذى تراجع عنه ترامب. ويذكر المراقبون أن ترامب سبق وتراجع عن اللقاء مع بوتين فى فيتنام على هامش قمة آسيان فى نوفمبر 2017 . كما أن ترامب سبق وتراجع عما اتفق حوله مع بوتين فى هلسنكى بشأن دعوته لزيارة الولاياتالمتحدةالامريكية فى نهاية العام الحالي، أو مطلع العام المقبل على أقصى تقدير، ولم يكن مضى على الاعلان عن الدعوة اكثر من بضعة أيام. ونذكر ان الدنيا قامت فى الولاياتالمتحدة ولم تقعد، وتوالت التهديدات من جانب خصوم ترامب فى الكونجرس الامريكي حتى فى صفوف الجمهوريين ممن انتقدوا ترامب واتهموه صراحة بالخيانة بعدما اعترف لروسيا خلال قمته مع بوتين فى هلسنكى بالبراءة من تهمة التدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة عام 2016. وذلك ما دفع الأوساط السياسية والدبلوماسية الامريكية الى اتهامه بأنه تصرف بشكل «غير مسئول، وخطير، وضعيف» أمام نظيره الروسى فلاديمير بوتين، على حد تعبير تشاك شومر زعيم المعارضة الديمقراطية فى مجلس الشيوخ الأمريكى . واضاف شومر فى بيان أصدره بهذا الشأن «حتى نعرف ما حدث فى الاجتماع الذى استغرق ساعتين فى هلسنكي، يجب ألا يكون للرئيس لقاءات ومناقشات فردية مع بوتين، فى الولاياتالمتحدة أو روسيا أو أى مكان آخر»، مؤكدا «ان الملايين من الامريكيين يواصلون تساؤلاتهم حول ما قد يكون بوتين يملكه من قرائن ومعلومات يمكن أن تؤذى الرئيس ترامب». ويذكر الكثيرون أيضا ما طالب به خصوم ترامب حول استدعاء مترجمة اللقاء الذى جرى فى هلسنكى الى جلسة استماع لاستيضاح ما قد يكون الرئيس الامريكى أقدم عليه من تنازلات، بعد أن بدا فى المؤتمر الصحفى الختامى أشبه بمسلوب الارادة، بما أطلقه من تصريحات مثيرة اتهم فيها شخصيات ومؤسسات أمريكية سيادية وصفها ب«الغباء»، فى معرض دفاعه عن توجهات الرئيس بوتين، وهو ما عاد واعتذر عنه بحجة أن ذلك كان مجرد «زلة لسان». الأسباب الحقيقية لاهتزاز وارتباك ترامب وعجزه عن «الوفاء بتعهداته»، قد تعود وحسب تقدير الكثيرين فى موسكو وخارجها إلى ما يواجهه ترامب من ضغوط داخلية، وما يجرى توجيهه إليه عقب كل لقاء مع بوتين من اتهامات تقول بضعفه وعجزه عن مواجهة «دهاء» بوتين وما يتمتع به من امكانات وقدرات «مخابراتية» منقطعة النظير تضعه فى موقع « أقوى زعيم فى العالم»لا يستطيع مواجهتها من تقتصر قدراته على «خبرات المرابى الرأسمالي» وتاريخه فى تنظيم «مسابقات ملكة جمال العالم». وفى هذا الصدد يذكرون للرئيس بوتين ما سبق وحققه من نجاح فى منطقة الشرق الاوسط حين أرغم الرئيس الامريكى السابق باراك أوباما على الخروج من سوريا ، والاعتراف بحق موسكو هناك، والقبول بعمليته العسكرية التى أنقذت بشار الاسد ونظامه وكان على وشك السقوط أمام زحف جحافل «داعش» و«النصرة» التى احتلت مشارف دمشق. وننقل عن سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية ما توقعه قبيل اعلان ترامب عن اعتذاره عن لقاء بوتين، حول «أن موسكو لا تستطيع عقب كل لقاء للرئيسين تحمل أوزار سقوط العلاقات الروسية الامريكية وتقع ضحية الخلافات الداخلية الامريكية». ونضيف إلى ما قاله لافروف ما تتناقله الألسنة فى روسيا وخارجها حول مدى الاخطار التى يمكن ان تواجه المنطقة والعالم من جراء «ارتباك» ترامب وتردده المستمر، فى وقت يظل فيه بحكم منصبه، يملك بين يديه آليات إدارة شئون أكبر قوة عسكرية ونووية فى العالم، ولأسباب قد يعود بعضها الى ما يعترى سيرته فى الماضى القريب من «شوائب» تظل تلاحقه حتى اليوم. ومن موقع من ينطبق عليه القول «يكاد المريب يقول خذوني»، يحاول ترامب تجاوز مشاكله وما يربط بينه وبين موسكو من علاقات قديمة، من خلال محاولات تأكيد ما ينأى به عن ذلك الماضى الذى يؤكد بعضا من هذه العلاقات. وكان محاميه السابق مايكل كوهين اعترف قبيل قمة العشرين أمام لجنة التحقيق الامريكية بأنه «كذب بشأن طموحات الملياردير ترامب التجارية الروسية». وننقل عن ليوبوف جلازونوفا، ما كتبته فى «موسكوفسكى كومسوموليتس» حول أن ترامب خطط لبناء «برج ترامب» فى روسيا، وتفاوض حول ذلك مع مؤسسات روسية، رسمية وشبه رسمية». ونضيف ما نقلته وكالة «سبوتنيك» الروسية عن موقع «بازفيد نيوز» الامريكى حول ان «مؤسسة ترامب» كانت تنوى إهداء بوتين شقة سكنية يبلغ ثمنها خمسين مليون دولار فى هذا البرج، بهدف «لفت انتباه الأثرياء الروس إلى شراء شقق واكتساب حقوق الجيرة مع بوتين، وهو ما اعترف به محامى ترامب السابق مايكل كوهين أمام لجنة موللر، وما دعا ترامب إلى اتهامه بالكذب، ووصفه بأنه «رجل ضعيف وليس ذكيا». وكانت «لجنة الاستخبارات» بمجلس النواب فى الكونجرس أعلنت فى أبريل الماضى عن رفع تقرير حول تعاون ترامب مع روسيا خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى عام 2016. وذلك كله «غيض من فيض» يشير إلى أن هناك ما يخشى منه ترامب، وإن حاول التستر وراء افتعال ما يحاول به تأكيد قوته، وبراءته مما يقال حول ضعفه امام نظيره الروسى الذى يظل بالفعل رمزا ل«القوة الأقوي» التى تقف فى مواجهة الهيمنة الامريكية وعالم القطب الواحد، بما تملكه اليوم من أسلحة قال بوتين انها لامثيل لها فى العالم وأن أحدا لن يستطيع امتلاك مثلها قبل عام 2025.