فى غضون الشهر الماضى حظيت العلاقات المغربية الجزائرية بمبادرتين تناولتا هذه العلاقات من وجهتّى نظر مختلفتين، المبادرة الأولى حملها خطاب محمد السادس ملك المغرب فى السادس من نوفمبر وتضمن عدة أفكار أساسية، إحداها أن مصالح الشعبين المغربى والجزائرى تتطلب الوحدة والتكامل والاندماج (وهذه مفردات مختلفة المعانى استخدمها العاهل المغربى بالتبادل وإن كانت تشير لمستويات مختلفة من العلاقة بين الأطراف أدناها التكامل وأوسطها الوحدة وأعلاها الاندماج)، لكن من المفهوم أن ما قَصَدَته العبارة هو ضرورة تطبيع العلاقات المغربية -الجزائرية تحقيقا لمصالح الدولتين. والفكرة الأخرى أن أقصر الطرق هو الخط المستقيم بين نقطتين، وعليه فلقد اقترح الملك استحداث إطار سياسى للحوار الثنائى والمباشر بين المغرب والجزائر دون حاجة لوسطاء فى إشارة غير مباشرة للأمم المتحدة وبعثتها المعنية باستفتاء الصحراء الغربية. أما الفكرة الأخيرة فهى أن المغرب متمسك بموقفه الثابت من قضية الصحراء الغربية والقائم على تمتع الإقليم بالحكم الذاتى فى إطار الحفاظ على وحدة التراب الوطني. ألقى خطاب العاهل المغربى حجرا فى المياه الراكدة للعلاقات المغربية -الجزائرية، وفُهِم على الجانب الجزائرى بطرق مختلفة، فمن فهمه على وجه إيجابى توقف أمام دلالة توجيه الدعوة للحوار فى ذكرى مؤتمر طنجة عام 1958، هذا المؤتمر الذى جمع أحزابا قيادية فى المغرب والجزائر وتونس تداعت لتكوين فيدرالية مغاربية وتكوين مجلس استشارى لدراسة القضايا المشتركة، وكأن محمد السادس باغتنامه هذه المناسبة يريد أن يقول نحن فى حاجة لطنجة جديدة بعد ستين عاما من طنجة الأولى. أما من فَهِم خطاب العاهل المغربى على وجه سلبى فتوقف أمام تزامن الخطاب الملكى مع حلول الذكرى السنوية للمسيرة الخضراء فكأن الجزائر إن هى قبلت الدعوة الملكية فى هذه المناسبة فإنها إنما تقر ضمنيا بالموقف الرسمى المغربى من قضية الصحراء الغربية خاصة وقد تم تأكيد هذا الموقف فى الخطاب. أما المبادرة الثانية فجاءت من وزارة الخارجية الجزائرية وتضمنت دعوة وزراء خارجية دول الاتحاد المغاربى لعقد اجتماع فى أقرب الآجال انطلاقا من القناعة الراسخة بضرورة إعادة بعث بناء الصرح المغاربى وإعادة تنشيط هياكله. كانت المبادرة الجزائرية حمّالة أوجه، فهناك من قال إنه لا شأن لها بالمبادرة الأولى وموضوعها مختلف، وهناك من توقف أمام الآلية التى اقترحتها المبادرة الجزائرية واعتبرها حكما بالإعدام على فكرة المصالحة بين البلدين، ففى المثل يقال إن إصلاح الشىء أصعب من إنشائه والاتحاد المغاربى معطل منذ عشرين عاما فمن يعطيه قبلة الحياة بعد كل هذه السنين؟ أكثر من ذلك يضيف أنصار هذا الرأى أن ليبيا مستوعبة بالكامل فى صراعها الداخلى ومن الصعب تصور تجاوبها مع المقترح الجزائرى، حيث سيكون أحد الأسئلة المطروحة بقوة هو: أى الفريقين المتصارعين فى ليبيا سيدّعى لنفسه حق تمثيلها؟ ثم انه ليس معروفا بالضرورة موقف موريتانيا من هكذا اجتماع على مستوى وزراء خارجية دول الاتحاد المغاربي، ولا أحد يجزم بأنها سترحب بإحياء هذا الكيان المُجمّد. شخصيا أتصور الوضع على النحو التالي: توجد مبادرتان مطروحتان من كل من المغرب والجزائر تختلفان فى بؤرتيهما، هذا بالتأكيد، لكن من الصعب ادعاء أنه لا صلة بينهما، فالمبادرتان تذهبان إلى أنه قد حان الوقت لإنهاء القطيعة بين الدولتين، وهناك آليتان مطروحتان لإطلاق حوار بهذا الخصوص وهو حوار مباشر فى الآلية المغربية وحوار جماعى فى الآلية الجزائرية، وأخيرا فإن ثمة تضاربا فى ردود الأفعال على المستوى الشعبى تجاه المبادرتين ما بين التأييد والرفض. إذن تلك هى المعطيات فهل الحوار سهل؟ لا ليس سهلا، لأن هناك تمسكا من الطرفين بموقفيهما من قضية الصحراء الغربية التى هى لُب النزاع وجوهره، ولأن النزاع المغربى الجزائرى هو نزاع شائع فى كل الأقاليم التى توجد بها دولتان كبيرتان تتنافسان على النفوذ، وقد استُخدِمت فى هذا النزاع كل الوسائل من عسكرية وسياسية وحتى ديموغرافية أى سلاح المكوّن الأمازيغى الذى وُظّف فى إحدى المراحل. لكن هل الحوار ممكن؟ نعم وأكثر من ممكن هو مطلوب، ولنذكر أن المشكلات بين الدولتين لم تمنع قيام الاتحاد المغاربى فى عام 1989، وأن الحدود المغلقة لم تمنع تعاونهما فى تصدير الغاز الجزائرى لإسبانيا عبر الأراضى المغربية تحقيقا للمصلحة الاقتصادية للطرفين معا، وهذا يعنى أنه متى توافرت الإرادة السياسية فقد نبصر الدخان الأبيض ينبعث من عاصمتى الدولتين، ولكى يتحقق ذلك فإن الحوار يجب ألا يكون أسير المواقف المسبقة وإلا فشل الحوار قبل أن يبدأ. إن الوطن العربى مقبل على تغييرات جيواسترتيچية مهمة فى الفترة المقبلة وسيكون باعثا لسعادة كل عربى أن يسهم العرب فى المساهمة فى ضبط هذه التغييرات ما أمكن وإخضاعها لإرادتهم، ولعل البداية تكون من الجناح الغربى لوطننا العربى ونحن نعلم أنه فى السياسة لا توجد مستحيلات. لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد