لم يكن فى حاجة لأن يجلس على منصة أمام عدد ممن جرى اختيارهم بدقة كاملة فى قاعة أحد الفنادق ليتحدث عن تلك العلاقة التى تجمع المسلم والمسيحى منذ أكثر من 1300 عام وقت الفتح الإسلامى لمصر وتحديدا عام 21 هجريا و641 ميلاديا ليُخلّص مواطنيها من الاضطهاد الروماني. لم يكن مضطرا لأن يواجه عدسات التليفزيون ضمن إحدى فقرات برامج التوك شو ليؤكد أن مصر الحقيقية لا تفرق بين من يحمل فى يده مسبحة ومن يرسم على ساعده صليبا فقد تجسدت هذه الصورة يوم الجمعة الماضى فى احدى قرى محافظة الدقهلية عندما جلس الدكتور كمال شاروبيم محافظ الدقهلية إلى جوار الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف داخل مسجد قرية كفر عزام التابعة لمركز السنبلاوين قبل أداء صلاة الجمعة، واستمع إلى تلاوة القرآن قبل الصلاة، وجزء من خطبة الجمعة التى ألقاها الوزير، ثم انتظر حتى انتهاء الصلاة، ليرافقه فى افتتاح مسجد الصحابة بقرية طوخ الأقلام بالمركز. مشاركة المحافظ فى افتتاح بعض مساجد المحافظة، تأكيد جديد لأسس التسامح الدينى وترسيخ قواعد العيش المشترك التى تعيشها مصرنا العزيزة، وتجسيدًا لروح التسامح الدينى وروح المحبة الفريدة المتميزة التى يحيا بها المجتمع المصرى دون النظر إلى عقيدة المواطن الدينية. ما أقدم عليه المحافظ يشكل لطمة عنيفة على وجه التطرف ورصاصة قاتلة فى قلب الإرهابيين ودعاة الفتنة دون أن يمسك أحد ببندقية سريعة الطلقات ودون أن ينجح العشرات من نخب المجتمع فى تحقيقه لو ظلوا أياما طويلة فى شرخ حناجرهم بهتافات يحيا الهلال مع الصليب ودون تكرار تلك الجملة الرتيبة الوحدة الوطنية بين عنصرى الأمة!. اللافت للنظر أن المحافظ اعتبر أن حضوره صلاة الجمعة، رسالة لكل المصريين بأن المسيحيين يفرحون لإقامة مسجد تقام فيه الصلاة، ورسالة للخارج بأننا مجتمع لا توجد فيه خلافات، ونعيش فى محبة وسلام. لم يتوقع شاروبيم كل هذا الجدل الكبير، بعد انتشار صورته داخل المسجد سواء بالصحف أو وسائط التواصل الاجتماعى إذ قال: أنا أؤدى عملى كمحافظ مصرى أولاً، ومسيحى العقيدة ثانيًا. وتابع: سألت وزير الأوقاف، د. مختار جمعة، حول وجود ما يمنع دخولى المسجد، وحضور خطبة الجمعة، وجاء رد الوزير، بعدم وجود موانع لدخولي، ودلل على ذلك باستقبال الرسول للمسيحيين وغيرهم داخل المسجد، وعلى الفور دخلت المسجد، واستمعت إلى جزء من تلاوة القرآن الكريم، وغادرت عند إقامة شعائر الصلاة، احترامًا للإخوة المسلمين، وانتظرت الوزير بالخارج لحين الانتهاء من الصلاة لافتًا إلى أن حضوره كان مفاجأة للمواطنين. لم تنفرد قريتا كفر عزام وطوخ الأقلام بهذا المشهد الذى يجسد بكل بساطة حرص المصريين على التعايش والتسليم بالمبدأ الذى أقره عمرو بن العاص, بعد استقرار الأوضاع الداخلية فور فتحه مصر, من خلال الإعلان بين الناس جميعًا أنَّ لا إكراه فى الدين ومن يبق على دينه فإن له حقوقا وعليه واجبات مثل المسلم ولن يتعرض له أحد فى حريته أو ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدُخول فى الإسلام والبقاء على دينهم إذ لن يُفرض على أحد الإسلام بالقُوَّة. قبل مشهد مشاركة المحافظ أبناء محافظته المسلمين صلاة الجمعة بعدة أشهر وفى قرية دميانة بالمحافظة تعالت مكبرات صوت المساجد لتشق سكون الليل.. يا أهالى البلد انقذوا دير القديسة بعد أن اشتعلت النيران بالدير.. ليلبى الجميع النداء دون انتظار عربات الإطفاء.. مجموعة يحملون جرادل المياه.. وآخرون يساعدونهم فى جمع مقتنيات الدير.. ومجموعة ثالثة يخلون مبنى سكن الراهبات وانقاذهن بسلام..! فليكتمل المشهد الذى عشناه جميعا قبل مئات السنين ويتوقف البعض عن تنظيم ما تسمى مائدة الوحدة الوطنية فى رمضان ويتشدق آخرون بأننا نعيش الوحدة الوطنية ونتوقف تماما عن مطالبة البعض دائما بترشيح مسيحيين فى أى انتخابات عامة كما لو كانت المسيحية ميزة تميز المواطن المسيحى عن غيره من المواطنين.. والتوقف الفورى عن هذا الإجراء العقيم بالمطالبة بالكشف عن خانة الديانة فى البطاقة الشخصية عند أى تعامل حتى ولو كان فتح حساب بالبنك أو إرسال تلغراف عزاء.. غير أنه ولكى يستمر هذا المشهد دون أى تشويش فإن تحقيق تلك القضية يجب أن يكون على قمة أولوياتنا... ثورة فى تصحيح المفاهيم الخاطئة وتجديد الخطاب الدينى على الرغم من مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسى المتكررة الأزهر الشريف بحتمية هذا التجديد الذى لا يزال متمسكا بأشقائه الثلاثة, العنقاء والغول والخل الوفي.. ووقتها فقط سنعود إلى ما كنا عليه عنصرا واحدا .. مصريين نتقاسم الوطن.. فلا المسلمون ضيوف على أحد ولا المسيحيون أقلية فى المجتمع.. وسنعيد جملة كل سنة وأنت طيب فى رمضان وفى عيد القيامة المجيد..ولك يا أغلى اسم فى الوجود السلامة دائما ولأبنائك المسيحيين والمسلمين. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش